كانت لافتة المعلومات التي تسربت عن المستوى السياسي الرسمي اللبناني ومفادها أن الرؤساء الثلاثة جوزيف عون، نبيه بري ونواف سلام قد اتخذوا قرارًا بالرد على مطالب واشنطن فيما يتعلق بوضع جدول زمني وعملي واضح لنزع سلاح "حزب الله"، بتنظيم حوار وطني لوضع إستراتجية دفاع وطني ومن ضمنها يتقرر مصير سلاح الحزب. وقد أثارت استغراب المراقبين لأنها عادت بالبلاد إلى مرحلة تعود إلى سنة 2006 عندما جرى للمرة الأولى تنظيم طاولة حوار وطني طرح مسألة البحث في إستراتيجية الدفاع الوطني اللبناني مقدمة لحل أزمة سلاح "حزب الله". وبعد جولات من الحوار، ومرور سنوات طويلة تخللها استمرار الاغتيالات السياسية التي يُتهم الحزب المذكور بتنفيذها، وغزو العاصمة بيروت ومعها مناطق الجبل الدرزي. بهذا المنهجية فإن رد المستوى السياسي اللبناني على مطالبات المجتمع الدولي بشقيه الأجنبي والعربي جاء مخيبًا للأمال خصوصًا أنه لا يمكن للدولة اللبنانية بعد حرب 2023 - 2024، واتفاق وقف إطلاق النار الذي بنيّ على سقوط التوازنات السابقة، وإسقاط دور "حزب الله" ووظيفته مع تقويض قدراته العسكرية أن تبقى واقفة على "رصيف" العام 2005. فالوصفة التي اعتبرها البعض سحرية من خلال التفاوض مع الحزب تحت عنوان أن السلاح شأن داخلي لبناني، وأنه يحتاج إلى توافقات وطنية فشلت لأسباب عدة وأهمها ميل المستوى السياسي اللبناني إلى التعايش مع الحالة الشاذّة على قاعدة أن الانحناء أمام العاصفة إلى أن تتغير "الظروف" من دون أن يجازف المستوى السياسي وهو بغالبيته معارض لسياسة الحزب وسلاحه، بمواجهة قوة عسكرية وأمنية عاتية، وشديدة الأذى.تطور دراماتيكي بين أميركا وإيران؟ هذا السلوك أضرّ كثيرًا بصدقية المستوى السياسي الحاكم في لبنان، لدرجة أن جهات دبلوماسية غربية وعربية في بيروت أبدت امتعاضها إزاء هذه العقلية التي تقوم على الامتناع عن فعل أيّ شيء للتغيير وانتظار الخارج ليقوم بمهام هي أصلًا من صلاحية الدولة وواجباتها. وعندما نتحدث عن انتظار الخارج فقد يعني أحد أمرين، إما أن تقوم إسرائيل بالمهمة عبر استكمال الحرب ضد "حزب الله" لتحطيم كامل القوة العسكرية والأمنية ثم تسليم الأرض للدولة اللبنانية، أو أن يحصل تطورًا دراماتيكيًا بين أميركا وإيران، قد يكون حربًا أو مفاوضات واتفاق كبير ينعكس مباشرة على الساحة اللبنانية. وفي المحصلة الأخيرة قد يكون رهان الطاقم الحاكم اللبناني على تحييد نفسه وترك التطورات تفعل فعلها، نابعًا من ثقافة لبنانية تعود إلى مرحلة سابقة لولادة الجمهورية اللبنانية عام 1920. أي أن أفضل الإستراتيجيات وأنجعها تكون بالانحناء أمام العاصفة والاستفادة منها وانتظار انقلاب المعادلات خارجيًا والاستفادة منها أيضا! لكن ما يقلق المراقبين أمام هذه العقلية هو أن ساعة الاستحقاق الكبير اقتربت في لبنان. والمعادلة المطروحة اليوم هي أمام أن تقوم الدولة اللبنانية بعملها أو أن حربًا جديدة تلوح في الأفق القريب ستتكفل بإنجاز المهمة. لكن إن حصل هذا فمن الصعب أن ينجح الطاقم السياسي الحاكم في استغلال الظرف المتغير كما يتصور، بل عندها فإن إسرائيل ستكون الجهة التي تأخذ وتعطي. فالحرب المحتملة لنزع سلاح الحزب المذكور ستكون قاسية جدًا. إننا أمام معادلة صعبة، إما السلاح أو الحرب!