تأخّر الردّ الأميركيّ سيف بحدّين: فهو يُربك الخصوم، ويوحي بأنّ هجومًا كبيرًا في طور التحضير، لكنّه في الوقت عينه يمنح الخصوم متّسعًا من الوقت للاختباء والتخفّي ومغادرة أماكن وجودهم الاعتياديّة، ما يضعف الردّ كثيرًا. من هنا نقول إنّ الردّ الأميركيّ المتوقّع على الهجوم المميت الذي تعرض له "برج 22" عند المثلّث الحدوديّ الأردنيّ - السوريّ - العراقي، سيحدّد معالم المرحلة المقبلة للوجود الأميركيّ في كلٍّ من العراق وسوريا، خصوصًا أنّ الردّ الأقوى، متوقّع أن يستهدف الفصائل العراقيّة وفي مقدّمها "حزب الله" العراقيّ وحركة "النّجباء". فالفصيل الأوّل مسؤول بشكل مباشر عن الهجوم الذي أدّى الى مقتل ثلاثة جنود أميركيّين، وجرح أكثر من 40 آخرين.حرب "مشاغلة" ولعلّ السؤال المطروح في هذه الساعات التي تسبق الردّ الأميركي، هل ستدخل أهداف إيرانيّة خالصة ضمن قائمة الضربات؟ طبعًا نحن لا نتحدّث عن ضربة داخل الأراضي الإيرانيّة، باعتبار أنها يمكن أن تشكّل تصعيدًا غير متناسب مع طبيعة العلاقة بين إدارة الرئيس جو بايدن والحكم الإيراني. إنما يمكن أن تتعرّض مواقع تابعة لـ"الحرس الثوري" الإيرانيّ في العراق أو سوريا، لهجوم أميركيّ يهدف إلى تأكيد واشنطن أنها تحمّل طهران مسؤوليّة الهجمات التي تقوم بها الفصائل في العراق وسوريا، وحتى في البحر الأحمر. فالفصائل مموّلة، ومدرّبة ومسلّحة من قبل إيران، وما من دولة في العالم تُصدّق البيانات المتتابعة التي تصدرها السلطات الإيرانيّة، نافية معرفتها بالهجمات، وتزعم أنّ الفصائل مستقلّة. وبطبيعة الحال الأمر ينطبق أيضًا على "حزب الله" اللبناني، في ما يتعلّق بقرار شنّ حرب "مشاغلة" على الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة. ولقد شكّل أكثر من 170 هجومًا على الوجود الأميركيّ في كل من سوريا والعراق، مادّة مشتعلة بالنسبة إلى العديد من أركان الكونغرس الأميركي، الذين يعتبرون أنّ إدارة الرئيس جو بادين التي اكتفت بالردّ خمس مرات فقط، ضعيفة وتعرّض قدرة الرّدع الأميركيّة وهيبة الجيش الأميركيّ لخطر التبدّد بأرخص الأثمان. ومن هنا فإنّ الهجوم الأخير لن يمرّ من دون ردّ. وقد تقررت طبيعة الردّ وصادق عليها الرئيس جو بايدن. كل ذلك دفع قائد "فيلق القدس" الإيرانيّ إسماعيل قاآني إلى التوجه فورًا إلى العراق وسوريا ولبنان، لتنسيق الموقف من الردّ الأميركي. والتعليمات من طهران تصرّ على تجاوز الضربة من دون ردّ فعل غير اعتيادي. إنّما التعرّض لأهداف إيرانية قد تقابله إيران بردّ على المصالح الأميركيّة في المنطقة.واشنطن لا تبغي حربًا مع إيرانمن الواضح أنّ واشنطن لا تبغي حربًا مع إيران. والعكس صحيح. لكن مع الهجوم الأخير وصلت واشنطن إلى نقطة ما عادت تقبل فيه مواصلة التغاضي عن حرب "المشاغلة" التي تقوم بها الفصائل. والذريعة الفلسطينيّة التي تستخدمها الفصائل سقطت وما عادت مقبولة. ومثلها تأكيدات طهران أنّ الفصائل مستقلّة وتتحرّك من تلقاء نفسها. من هنا فإنّ البيان الذي صدر عن كتائب "حزب الله" العراقيّ يعلن فيه التوقّف عن مهاجمة الأهداف الأميركيّة، وينفي أيّ ضلوع لإيران بها، لم يكن ولن يكون مقنعًا لا لأميركا، ولا لدول المنطقة التي توجّه اليها تهديدات مستمرّة من فصائل عراقية مجهولة - معلومة. من المهمّ الإشارة إلى أنّ الردّ الأميركيّ سيحدّد صورة الولايات المتّحدة للمرحلة المقبلة. بمعنى أنّ اقتصار الردّ على فصائل في العراق وسوريا ومبانٍ خالية، سيُعتبر ردًا ضعيفًا جدًا مقارنةً بما تحقّقه إيران من مكاسب على حساب الهيبة الأميركيّة في المنطقة. وبالتالي فإنّ توجيه ضربة قويّة بوسائل قتاليّة فائقة القوّة والضّخامة لأهداف إيرانيّة في العراق وسوريا، يمكن أن يوصل الرسالة الحازمة المطلوبة إلى القيادة الإيرانيّة، ومفادها أنّ صبر أميركا الاستراتيجيّ قد نفد. والأهمّ أنه ينعكس على نمط العلاقة المستقبليّة بين الولايات المتّحدة وحلفائها التقليديّين المتضرّرين من السياسات "الأوباميّة" التي تمارسها إدارة الرئيس بايدن!