لا يمكن عزل عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري الثلاثاء في الضاحية الجنوبية لبيروت عن عملية اغتيال القيادي البارز في "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني في سوريا رضا الموسوي. الأخير اغتيل قبل أسبوعين في حي السيدة زينب في ضاحية دمشق. والرجلان ركنان أساسيان في غرفة عمليات "وحدة الساحات" التي أسسها "فيلق القدس" لرفع مستوى التنسيق بين إيران والفصائل التابعة لها في المنطقة.مهندس عملية "طوفان الأقصى" والغرفة تسهل عملية التنسيق بين الفصائل نفسها التي تتقاطع وظائفها السياسية والعسكرية. في حالة كل من الموسوي والعاروري ثمة رابط كبير يجمعهما نظرًا لكون الموسوي أهم قيادي إيراني مقيم في دمشق المعتبرة جسرًا استراتيجيًّا يربط كلا من العراق وخلفها إيران بلبنان والضفة الغربية وقطاع غزة. كما أن العاروري الذي كشفت حركة "حماس" ليلة اغتياله أنه كان مهندس عملية "طوفان الأقصى" وله مكانة كبيرة في الحركة وجناحها العسكري. العنصر الثالث المهم في التركيبة هو الأمين العام لـ"حزب الله " حسن نصرالله الذي يمثل البعد اللبناني الأقرب إلى الحدود مع إسرائيل. كما أنه يقود تنظيمًا يعده الإيرانيون أهم استثماراتهم السياسية والأمنية والعسكرية والأيديولوجية في المنطقة على مدى العقود الأربعة الماضية.من هنا فإن استهداف العاروري في معقل "حزب الله" في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت رسالة موجهة إلى الحزب المذكور تفيد أن إسرائيل نفضت يديها من قواعد الاشتباك السابقة لعملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي. بهذا المعنى أسقطت إسرائيل الاعتقاد الذي ساد أن معقل "حزب الله" محمي بقواعد اشتباك وبتوازن القوى بين "حزب الله"و إسرائيل تحمي من يأوي إليها.تعديل قواعد اللعبة مع "حزب الله" وبالتالي فإن الحزب المذكور معني بحماية القواعد التي أطاحت بها إسرائيل، فضلا عن اضطراره إلى حماية "صدقيته" لدى جمهوره الذي صدم بالعملية. خصوصا أن عمليات اغتيال كبيرة حصلت في السابق لم يقم الحزب إياه بالرد عليها كما كان يتوعد في كل مرة. أكثر من ذلك يمكن القول إن تجنب "حزب الله" تنفيذ وعوده بالنسبة إلى منازلة إسرائيل والاكتفاء بمناوشتها بعد 7 أكتوبر الماضي أثر على صدقيته، وعلى صدقية المحور الذي تقوده إيران. بمعنى أن الشعارات التي رفعت على مدى عقود من الزمن لم يتم تطبيقها عندما حانت ساعة الحرب مع إسرائيل!إذ إن "حزب الله" الذي ألزم نفسه بلسان أمينه العام مرتين على الأقل بالرد بقوة.على أي استهداف لقيادات أو عناصر فلسطيينة أو إيرانية أو من أي تابعية على الأراضي اللبنانية. هو ملزم أمام جمهوره، وأمام إسرائيل التي ستبني على الرد حسابات كثيرة للمرحلة المقبلة.بناءً على ما تقدم من المهم أن نشير إلى أن الظرف الإقليمي حيث تدور حرب كبيرة ووجودية بين حركة "حماس" وإسرائيل في قطاع غزة أفسحت المجال أمام إسرائيل للعمل على تعديل قواعد اللعبة مع "حزب الله" وحتى مع إيران نفسها. من هنا خطورة ما حصل وسيحصل لأن التطورات متلاحقة. والصراع كبير على الرغم من الاعتقاد السائد بأن إيران غير معنية بتوسيع نطاق المواجهة. والسؤال المطروح، ماذا ستفعل إيران إذا ما شارفت حركة "حماس" على الانهيار في قطاع غزة؟