على الرغم من كل النجاحات التي حققها الرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي خاضها منذ عام 2003 كرئيس للوزراء، ومن ثم رئيسًا للجمهورية التركية، إلا أنّ ثمة غصّة في قلبه، وهي خسارة إسطنبول في الانتخابات البلدية التي جرت في العام 2019، وفازت فيها المعارضة مرتين عندما قرر هو نفسه إعادة الانتخابات - بصفته رئيسًا - أملًا في انتزاعها ولو بصوت واحد! انتخابات 2019 البلدية أرست نوعًا من التوازن الجزئيّ بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري - أكبر الأحزاب المعارضة - حيث وجه حزب الشعب الجمهوريّ العلمانيّ ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية، في انتخابات البلديات، بالفوز بإسطنبول، مسقط رأس إردوغان، والعاصمة أنقرة بعد سيطرة دامت 25 عامًا."من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا"وعلى الرغم من حديث إردوغان الصريح للمرة الأولى أخيرًا، عن مغادرته السلطة فور انتهاء ولايته الرئاسية الحالية، إلا أنه أكد أمام حشد من "مؤسسة الشباب التركي"، أنّ نتيجة الانتخابات البلدية المقررة في 31 مارس الجاري، ستكون بركة لمن يأتي من بعده. وللتذكير فإنّ إردوغان كان رئيسًا لبلدية اسطنبول عام 1994، حين كان قياديًا في حزب الرفاه الإسلاميّ الذي كان يتزعمه نجم الدين أربكان. صحيح أنّ عدد المرشحين كبيرٌ بالنسبة للمدينة، حيث بلغ عددهم 49 مرشّحًا، منهم 22 من الأحزاب السياسية، و27 مستقلًا، إلّا أنّ التنافس الحقيقيّ سيكون محصورًا بين اسمين رئيسيّين: الأول: مراد كوروم المرشح عن حزب العدالة والتنمية.الثاني: أكرم إمام أوغلو المرشح عن حزب الشعب الجمهوري، والرئيس الحاليّ للبلدية منذ عام 2019. وعلى عكس مقولة الرئيس إردوغان الشهيرة، "من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا"، استطاع هو وحزبه الفوز في انتخابات مايو 2023 الرئاسية والبرلمانية، بجولة ثانية، من دون أن تكون إسطنبول بيد حزبه. لكنّ البعض يرى أنّ طريق نجاح اللاعبين السياسيّين وأحزابهم، يمرّ عاجلًا أم آجلًا عبر إسطنبول، فهي تعكس بنية الناخبين في تركيا وخصائصهم على مستوّى مصغّر، خصوصًا أنّ 18% من إجماليّ الناخبين المسجلين في تركيا، موجودون في إسطنبول، وبهذا المعنى فإنّ نحو 1 من كل 5 ناخبين يقيم في إسطنبول، كما أنها محرّك الاقتصاد التركيّ من حيث مستوى القوى العاملة والجودة والكثافة والتنوّع."السباق متقارب ومحتدم"ويرى بعضهم أنّ حزب العدالة والتنمية الحاكم، قد يربح الانتخابات البلدية في إسطنبول لسببين: الأول: التشتّت والانقسام بين أحزاب المعارضة التركية، ما يعزز آمال إردوغان في أن يتمكن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، من استعادة السيطرة على إسطنبول في الانتخابات البلدية المقررة آخر هذا الشهر، بعد فوزه بالرئاسة العام الماضي. الثاني: أنّ آمال رئيس بلدية إسطنبول الحالي أكرم إمام أوغلو في الفوز، تضاءلت بسبب قرار "حزب الشعوب الديمقراطي" المؤيّد للأكراد، والحزب القوميّ "الصالح" الذي تتزعمه ميرال أكشينار بتقديم مرشحّيهما، وهما من دعما مرشح حزب الشعب الجمهوريّ إمام أوغلو في انتخابات 2019. ويرى أوزر سنجار رئيس مؤسسة "ميتروبول" لاستطلاعات الرأي، أنّ "السباق متقارب ومحتدم"، مؤكدًا أهمية إسطنبول بالنسبة للسياسة الوطنية في المستقبل التركي، مضيفًا، "إذا فاز رئيس البلدية الحاليّ أكرم إمام أوغلو بالانتخابات المقبلة، فإنه سيصبح رئيسًا لتركيا في 2028". وأظهر أحدث استطلاع أجرته "متروبول"، تراجع دعم الناخبين الأكراد لإمام أوغلو إلى 32% الشهر الماضي من 35% في يناير، وانخفاض التأييد بين ناخبي الحزب الصالح إلى 45% من 64%.ومن هنا يمكن القول: إنّ الانتخابات البلدية ستكون من أهم الانتخابات التي تشهدها تركيا بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام الماضي، لأنها ستكون أمام مفترق مهمّ، إما تكريس حزب العدالة والتنمية الإسلاميّ كلاعب وحيد في السياسة التركية، وإما عودة حزب الشعب الجمهوريّ كحزب معارض علمانيّ قويّ، بعد خروج زعيمه السابق كمال كليشدار أوغلو الذي كان يوصف بالمنافس الضعيف لإردوغان.