منذ أيام ، احتفلت السفارة الأميركية في لبنان بذكرى مرور أربعين عامًا على تفجير مقر المارينز في بيروت والذي أسفر عن مقتل ما يزيد عن 240 عنصرًا من المارينز. السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، وفي خطابها في الذكرى، اتهمت"حزب الله"، ومَن وراءه إيران، بالوقوف وراء حادثة التفجير.بعد أيام على هذا الاتهام الأميركي لـ"حزب الله"، أطل الأمين العام للحزب حسن نصر الله ليعلن أنّ الذين استهدفوا الأميركيين ما زالوا أحياء، أو أنّ أبناءهم وأحفادهم ما زالوا أحياء أيضًا. في هذا الكلام تهديد مباشر للأميركيين ولحاملات طائراتهم، بأنّ مَن استهدفهم في أكتوبر 1983 قادر على استهدافهم بعد 40 عامًا.خطاب حسن نصر الله "خيّب آمالهم"ليس من عادة "حزب الله" أن يعلن مسؤوليّته عن هذه التفجيرات، لكن أن يعلنها اليوم، وبعد 40 عامًا، فهذا دليل على أنه قطع "كل خيوط الرجعة"، وعاد إلى لغة التهديد والوعيد، التي في اعتقاده أنها تنقذه من الوضع الصعب الذي هو فيه.خطاب نصر الله بعد 28 يومًا على حرب "طوفان الأقصى"، كيف يمكن قراءته؟على الرغم من "النبرة العالية" ورفع الإصبع تهديدًا، فإنّ الخطاب شابه سقف منخفض، لم يعلِن نصر الله الحرب كما انتظر كثيرون، بل "خيّب آمالهم" وابتكر "اجتهادًا" قال فيه إنّ الحزب دخل "المعركة" في 8 أكتوبر، أي بعد 24 ساعة على بدء عملية "طوفان الأقصى"، وذلك بالضرب في منطقة مزارع شبعا على الحدود، وهي منطقة متنازع عليها بين لبنان وسوريا. المراقبون لفتهم الفرق الشاسع بين "الحرب" و"المعركة"، انتظروا منه الحرب، ومتى يعلنها، فردَّ عليهم بأنه "أدى قسطه" بأن دخل المعركة، حتى أنصاره خاب أملهم بهذه النتيجة المتواضعة.لكنّ الواضح من كلام نصر الله أنه يضع نصب عينيه أنّ عدوّه الأول هو الولايات المتحدة، قبل أن يكون إسرائيل، وفي ذلك "تكبير لحجر" المعركة، كأنه يقول: المعركة مع الولايات المتحدة، وقد جَهَر وأعدّ العدة لحاملات الطائرات الأميركية، فيما وصف خبراء عسكريون أنّ التهديد بضرب الحاملات هو تهويل لا أكثر ولا أقل. لماذا تأخر حسن نصر الله 28 يومًا ليتكلم؟ في لغة المقارنات، إذا ما تمت المقارنة بين حرب يوليو 2006 وحرب أكتوبر 2023، تظهر المعطيات التالية: في حرب يوليو استمرت المعارك 33 يوما، فيما اقتربت الحرب اليوم من هذا الرقم. في حرب يوليو سقط لـ"حزب الله" 61 قتيلًا، بينما في حرب اليوم اقترب عدد القتلى من هذا الرقم إذ بلغ 59 قتيلًا، وهذا الرقم ليس قليلًا على الإطلاق، ويُسأل عنه نصر لله، لأنّ الجبهة الأساسية في غزة وليست في جنوب لبنان. في حرب يوليو 2006 كان القرار الداخلي ( بعد القرار الأعلى) الإيراني لحسن نصر الله، في حرب غزة اليوم، القرار لحركة "حماس" ( بعد القرار الأعلى) الإيراني، ويأتي قرار نصر الله في الدرجة الثانية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تأخر نصر الله 28 يومًا ليتكلم؟ يرى محللون خبراء في الشؤون الإيرانية، أنّ قرار الكلام جاء من إيران، والمهمّ فيه أنّ حركة "حماس" فاجأت الجميع وأنّ قرار الحرب اتخذته من دون العودة إلى أحد. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: طالما أن نصر الله يقول إنّ "المعركة فلسطينية بالكامل"، فلماذا تدخَّل بها؟ ثم لماذا "سمح" لـ"حماس" ولـ"الجماعة الإسلامية" أن تقوما بعمليات انطلاقًا من جنوب لبنان؟ ويبلغ نصر الله ذروة الغرابة حين يبرّئ إيران من خلال قوله: "ما حصل في طوفان الأقصى يؤكد أنّ إيران لا تمارس أيّ وصاية على الإطلاق على فصائل "المقاومة" وأنّ أصحاب القرار الحقيقيّين هم قيادات المقاومة ومقاتلوها؟".حتى قبل انتهاء حرب غزة ، سيُسأل نصر الله: لماذا المئة ألف صاروخ إذا كانت المعركة فلسطينية على أرضٍ فلسطينية؟هل فائض القوة من أجل "تسييله" في السياسة اللبنانية الداخلية؟ إنه "خريف المقاومة" حيث شعاراتها أصبحت فاقدة الصلاحية.