لم تعد حرب "المشاغلة" التي يخوضها "حزب الله" مواجهة محدودة مع إسرائيل.فمنذ أن بادر الحزب المذكور بقرار متفرّد منه، إلى التورّط في مناوشات عسكريّة على الحدود، كسرت قواعد الاشتباك بين الطرفين أكثر من مرة. وكما أنّ "حزب الله" اكتشف يومًا بعد يوم، أنّ الحرب التي يخوضها لم تخفّف من الضّغط على قطاع غزّة، ولم تُنجد الفصائل الفلسطينيّة التي تقاتل الجيش الاسرائيليّ هناك، فقد تحوّلت الحرب المحدودة إلى حرب مطّاطة توسّعيّة على مستوى العنف، والجغرافيا والاستهدافات. فالضربات الإسرائيليّة ترتفع وتيرتها يومًا بعد يوم، وبالأمس ثبّتت تلّ أبيب معادلة ضمّ معقل الحزب في سهل البقاع شرقيّ لبنان، إذ نفّذ سلاح طيرانها العديد من الغارات في محيط مدينة بعلبك، التي تُعتبر قلب المعقل الحضريّ. وبذلك وسّعت إسرائيل جغرافيا الحرب، من حرب محدودة إلى حرب تتمدّد على مساحة كبيرة من الأراضي اللبنانية، وصولًا إلى عمق يزيد على 100 كيلومتر بعيدًا عن الحدود. فخّ الحرب الواسعةما تقدّم لم يكن في حسابات الذراع الإيرانيّة في لبنان. لم يكن في حساب الحزب أن يستشرس الإسرائيليون في كسر قواعد الاشتباك، وأن يجازفوا بالتّصعيد إلى حدّ استهداف المدنيّين الذين صدَف وجودهم في المحيط المباشر لمقاتلي "حزب الله". وواضح أنهم لم يحسبوا أن ينتقل الإسرائيليون بسرعة من موقع الدّفاع إلى موقع الهجوم، ونصب فخّ الحرب الواسعة أمام "حزب الله"، الذي تمسّك بمواصلة الحرب ضمن الحدود التي رسمها. لكنّ المسألة تغيّرت بعد سقوط ما يزيد على 300 ضحية، بينها 250 من المقاتلين أو المنتمين إلى "حزب الله"، وتدمير آلاف عدّة من الوحدات السكنيّة على طول شريط القرى المحاذية للحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة. يعتبر معظم المراقبين المحايدين في لبنان، أنّ "حزب الله" تورّط في مغامرة خطرة جدًا. والأهمّ أنّه ورّط بيئته الحاضنة وورّط لبنان بأسره. ويبدو أنّه ما عاد يجد مخرجًا له من هذا المأزق، يحفظ له ماء الوجه. ومع مرور الوقت ما عاد الموقف الداخليّ اللبنانيّ المتساهل في بداية الحرب، مع واقع مصادرة "حزب الله" قرار الحرب والسّلم، كافيًا، لكي يمثّل سندًا معنويًا للذّراع الإيرانيّة المحلّية، التي تدفع ثمنًا باهظًا على مختلف الصّعد. أكثر من ذلك، بدأت الأصوات المعارضة بشدّة في مختلف البيئات اللبنانيّة، تعلو بوجه "حزب الله" وسلوكه. عُزلة "حزب الله"وليس سرًّا أنّه بخلاف البيئة الطائفيّة الحاضنة للحزب المذكور، فإنّ البيئات الطائفيّة الأخرى، ونعني المكوّنات الطائفيّة في لبنان، تعلن جهارًا عدم تضامنها مع الحزب المشار إليه، وفيما يقتصر تعاطفها على الضحايا من المدنيّين، فإنّها لا تتعاطف مع مقاتليه على الأرض. من هنا يمكن القول، إنّ "حزب الله" يعاني من الناحية العمليّة، عزلةً في المجتمع اللبنانيّ من خارج بيئته الطائفيّة. وقد بلغ مستوى الاعتراض على مغامرة الحزب الثانية بعد مغامرة حرب يوليو 2006، حدّ ارتفاع الأصوات المطالبة بالفدرالية والتقسيم والافتراق عن فكرة لبنان واحد، لم يعد من الممكن التعايش فيه مع مشروع "حزب الله" المحلّي والخارجيّ تحت سقف واحد. لقد شجعت أزمة الفراغ الرئاسيّ المديد (الموقع المسيحيّ الأوّل في الدولة) التي يعتبر المسيحيون "الثنائيّ الشيعيّ" المكوّن من "حزب الله" و"حركة امل"، مسؤولين عن فكرة الانفصال، منعًا للوقوع في فخّ حرب أهلية. وأتت مغامرة "حزب الله" وتورّطه في حرب "المشاغلة"، لتعزّز القناعة لدى مختلف البيئات، أنّ فكرة العيش المشترك سقطت في لبنان. وإذا ما نشبت حرب واسعة ومدمرة، لن يقبل بنهايتها معظم اللبنانيّين بمواصلة العيش تحت سقف واحد مع "حزب الله". هذا ما جنته براقش على نفسها!