يبدو أن مسار تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة محفوف بمخاطر عدة أهمها: أن ثمة فريقا محليا وازنا في الحياة السياسية والأمنية اللبنانية يعتبر أنه متضرر من النتائج التي فرضتها الحرب بينه وبين إسرائيل، خصوصا على الصعيدين السياسي والمعنوي. وأن ثمة فريقا إقليميا وبعد كل الضربات التي أنزلت به وبمختلف فصائله، وبعد خسارته الإستراتيجية للساحة السورية واهتزاز ساحته اللبنانية، انكشاف ساحته الداخلية لا يزال يعتبر أنه قادر على إعادة ترميم البناء الإستراتيجي لمشروعه الإقليمي ليعود على ما كان عليه قبل عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023."حزب الله" يحاول التسلح مجددا نحن نعني بذلك "حزب الله" في لبنان ومرجعيته في إيران. والحال أن قيادة "حزب الله" الجديدة لا تزال تعيش في الماضي، عاجزة عن إدراك التغيير العميق الذي أصاب المنطقة. ففي لبنان انقلبت المعادلة بعد الضربات القاصمة التي تلقها الحزب المذكور من إسرائيل، والتي سمحت في مكان ما بتخفيف قبضته التي كانت تمسك بالحياة السياسية، والمؤسساتية في بلاد الأرز. فبات بالإمكان إعادة فتح أبواب مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ومستقل في 9 يناير هو العماد جوزيف عون، ثم تكليف شخصية أخرى مستقلة لتشكيل الحكومة الجديدة في 13 يناير هي القاضي الدولي نواف سلام. والرجلان مثلا ويمثلان نموذجا جديدا من رجالات الدولة الذين يستحيل على "حزب الله" أن يستتبعهما على النحز الذي كان يحصل قبل النكبة التي حلت به في حربه الأخيرة. ومن هنا يمتزج شعور من بقي من قيادات الحزب المذكور على قيد الحياة بمرارة كبيرة، وبميل جارف إلى محاولة إنتاج حالة مشابهة لتلك التي سادت في لبنان على يد الاطار المسمى "الثنائي الشيعي"، الذي قبل باتفاق وقف إطلاق مع إسرائيل النار في 27 نوفمبر الفائت. فعلى الرغم من أن بنوده تضمنت بوضوح مسألة نزع سلاح كل الجماعات اللبنانية غير اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية، وبسط سلطة الدولة عبر الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الشرعية، فإن "حزب الله" من ناحية و"حركة أمل" برئاسة نبيه بري لم يدخرا جهدا من أجل إعادة عقارب الزمن في البلاد إلى ما قبل "حرب الإسناد" التي شنها الحزب ضد إسرائيل في 8 أكتوبر 2023. فمن ناحية حاول ويحاول "حزب الله" بكل ما أوتي من قوة أن يحافظ على ما تبقى من سلاحه.لا بل إنه يحاول أن يستقدم مزيجا من الأسلحة من مخابئ لم يتم اكتشافها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. فضلا عن أنه يعمل بلا هوادة على تهريب أموال وفيرة من إيران من أجل إعادة تمويل نفسه، وضخ كميات منها في البيئة الشعبية الحاضنة التي تعرضت مناطقها لتدمير مهول خلال الحرب وتحتاج إلى تمويل نزوحها إلى أن يحين وقت إعادة الإعمار. أكثر من ذلك تتمسك قيادة "حزب الله" الجديدة بقواعد العمل السياسي والميداني من الناحية الأمنية كأن شيئا لم يحصل.معركة وزارة المال في لبنان في مكان آخر يتمسك حليف الحزب أي رئيس مجلس النواب وزعيم "حركة أمل" نبيه بري بقواعد اللعبة السياسية التي فرضها على مدى العقدين الماضيين مستغلا فائض القوة الذي كان يتمتع به "حزب الله". فبالنسبة إلى عملية تأليف الحكومة الجديدة برئاسة القاضي نواف سلام يرفض بري تطبيق النص الدستوري الذي يفرض مبدأ المداورة في الحقائب الوزارية بحيث لا يمكن تخصيص أي وزارة لاي قوة سياسية أو طائفية في البلاد. من هنا تبدو المعركة المشتعلة حول حقيبة وزارة المال في لبنان اختبارا سياسيا كبيرا. فالوزارة هي أم الوزارات لأنها تتحكم بالإنفاق العام، وتحتاج جميع دوائر الدولة المدنية والعسكرية والأمنية توقيع وزير المال من في جميع المعاملات التي تتطلب انفاقا. بمعنى آخر انها وزارة "التوقيع الثالث" الملزم لتأمين سير العمل في السلطة التنفيذية إلى جانب توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة. ومن هنا أهمية الموقع وخطورة أن يبقى بيد ثنائي "حزب الله" – "حركة أمل" ليستخدم كما جرت العادة في العقد الأخير لما استحوذ خلاله الثنائي عليها وشكلت له رافعة للإمساك بقرار الدولة اللبنانية وبعصبها. إذا تشكل معركة وزارة المال في لبنان لحظة مفصلية، لأن نتيجتها ستؤشر ملامح المرحلة المقبلة في البلاد، إما أن تنتقل البلاد إلى مرحلة تأسيسية جديدة للدولة التي يتشارك بها الجميع أم أن يبقى "حزب الله" قابضا على مقاليد السلطة الفعلية. من هنا سوف تكون عملية تشكيل الحكومة الجديدة أول اختبار جدي لعهد الرئيس الجديد ولوعود رئيس الحكومة الجدد بالتغيير.