ربّما لم يكن موضوع الانسحاب الأميركيّ من سوريا مطروحا بهذه القوّة، لولا حدوث 3 تطورات.الأول: المقال الذي نشره تشارلز ليستر في مجلة فورين بوليسي، وما أثاره هذا المقال من ضجّة لدى الأوساط السياسيّة في الإدارة الأميركيّة والمنطقة، على الرّغم من نفي البنتاغون، إلّا أنّ كاتب المقال قال إنّ الإدارة الأميركيّة تقوم بمراجعتين، مراجعة عن سوريا، ومراجعة أخرى عن نشر القوات الأميركيّة في الشرق الأوسط بشكل عام، وإنّ نقاشا صريحا يجري حول جدوى وجود القوات الأميركيّة في سوريا، وهناك إجماع أنّ وجود هذه القوات مؤقّت، ولا بدّ أن يأتي اليوم الذي ستنسحب فيه الولايات المتّحدة من سوريا.الثاني: إعلان وزارة الخارجيّة العراقيّة التوصل لاتفاق مع أميركا، لوضع جدول زمنيّ لمباشرة الخفض التدريجيّ لوجود مستشاري التحالف ضدّ داعش في الأراضي العراقيّة.الثالث: إعلان الجيش الأميركيّ مقتل 3 من عناصره يوم الأحد الماضي، وإصابة عشرات آخرين في هجوم بطائرة مسيّرة على قاعدة التنف الواقعة على المثلّث الحدوديّ السوري-الأردني- العراقي، وتوعّد الرئيس الأميركيّ جو بايدن بالردّ ومحاسبة كلّ المسؤولين عن الهجوم "في الوقت المناسب".تنفيذ ضربات جويّة في سورياوبالعودة إلى وجود القوات الأميركيّة في سوريا، فإنّ التحالف الدوليّ بدأ بتنفيذ ضربات جويّة في سوريا في 22 سبتمبر 2014، أما برّيًا فقد بدأت القوات الأميركيّة العمل مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تم الإعلان عن تأسيسها يوم 10 أكتوبر2015، ووقتها نشرت صحيفة (يو اس ايه توداي) تصريحًا لوزير الدفاع الأميركيّ الأسبق "ليون بانيتا"، قال فيه إنّ القتال ضدّ جماعة "داعش" قد يستمر نحو ثلاثين عامًا، لكنّ الرئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب اتّهم صراحة في 11 من أغسطس 2016 وأثناء حملته الانتخابيّة، الرئيس باراك أوباما بأنه "مؤسّس" تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، وقال أمام حشد من أنصاره في فلوريدا: "إنّ الرئيس أوباما هو من أسّس تنظيم داعش"!كما هاجم ترامب منافسته الديمقراطيّة هيلاري كلينتون، ووصفها بأنها "شريكة في تأسيس" التنظيم، مردّدا عبارة they founded" قائلا: إنّ أوباما وكلينتون هما أكثر اللّاعبين قيمة بالنسبة لتنظيم "الدّولة الإسلامية".والسؤال الآن: هل تنسحب الولايات المتّحدة من سوريا؟ وفي حال انسحبت كيف ستتصرف القوى الفاعلة على الأرض، خصوصا أنّ قوات سوريا الديمقراطية التي أسستها الولايات المتّحدة، تعتمد بشكل كلّي على القوّات الأميركيّة، وبعضهم يذهب إلى أكثر من ذلك، إذ يربط استمرار هذه الميليشيا بالوجود الأميركيّ، فتركيا تعتبرها إرهابيّة، في حين تراها الحكومة السوريّة قوّة انفصاليّة تسعى لإقامة شبه دولة تحت مسمّى فيدرالية.لكن من يعود إلى التّصريحات الأميركيّة، يجد أنّ الإدارات الأميركيّة الثلاث التي عاصرت تنظيم "داعش" وتشكيل قوات سوريا الديمقراطيّة، لم تقل يوما إنّ وجودها في سوريا سيكون دائما، وهو ما أكّده السفير الأميركيّ السابق في سوريا روبرت فورد.والسؤال الأخر: هل يُقدم الرئيس الأميركيّ الحاليّ جو بايدن على انسحاب مفاجئ كما فعل في أفغانستان، ويُنهي عهد الوجود الأميركيّ في سوريا، تاركًا حلفاءه تحت رحمة حليفه التركيّ، أو خصومه، كروسيا وسوريا وإيران؟!إعادة النّظر في أولويات أميركابعضهم يرى أنّ عملية "طوفان الأقصى" وتداعياتها على الإقليم، دفعت إدارة الرئيس الأميركيّ بايدن، إلى إعادة النّظر في أولويات أميركا العسكريّة في منطقة الشرق الأوسط، حيث بلغت التوترات والأعمال القتاليّة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ذروتها، حتى أنّ القوات الأميركيّة في سوريا، تعرّضت لأكثر من 150 هجومًا من بينهم هجوم التنف الأخير.البعض الآخر يذكّر بما فعله ترامب في العام 2019، من إعلان الانسحاب من سوريا، ثم تراجعه تحت ضغط صقور الجمهوريّين، بحجّة أنّ الساحة السوريّة ستُترك لكلٍّ من روسيا وإيران، ليعلِن بعدها عن إعادة نشر قسم منهم على الحدود مع الأردن وإسرائيل، فيما يتولى عدد آخر منهم حماية حقول النفط.وهنا لا بدّ من التوقف عند ما قاله ترامب، من أنّ قسما من الجنود الأميركيّين سيتمّ نشرهم على الحدود مع الأردن وإسرائيل، وهو ما يحصل اليوم في قاعدة التنف، حيث كشف المبعوث الخاص للرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين إلى سوريا، الكسندر لافرنتييف، في حديث إلى قناة روسيا اليوم، أنّ الولايات المتّحدة تسعى لإقامة دويلة في القنيطرة والمنطقة الجنوبيّة من سوريا، وهو ما حذّرت منه الخارجيّة السوريّة في بيانها الأخير، ودعت الأردن للتعاون وتفعيل اللجان المشتركة التي شكّلها البلدان العام الماضي.والسؤال الملح: هل ستبقي الولايات المتّحدة في سوريا وقواتها تحت الخطر، أم إنّ بايدن سيقوم بسحبها من سوريا، ليظهر أمام الناخب الأميركيّ أنّه حريص على أرواح الجنود الأميركيّين؟ والسؤال النقيض، ماذا لو فاز ترامب بالانتخابات الرئاسيّة 2024، هل سيعود لنغمة سحب القوات من سوريا، أم إنّه سيكون أكثر تشدّدًا في بقائها؟! وعلى فرض أنّ الولايات المتّحدة انسحبت فعلًا، هل سيعود تنظيم داعش للظهور؟ أم إنّ انسحابها سيكشف الحقيقة والعلاقة الغامضة بين الولايات المتّحدة والتنظيم التي تكلّم عنها ترامب في 2016 ؟(المشهد)