قد يكون التصعيد التركيّ ضدّ وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، ليس جديدًا، لكنّ الجديد أنّ التصعيد الحاليّ انتقل من استهداف قوات "قسد" إلى استهداف المنشآت الاقتصادية هناك، الأمر الذي صرح به وزير الخارجية التركية حقان فيدان، في أعقاب هجوم حدث في أنقرة في 4 أكتوبر العام الفائت، حيث وجه فيدان رسالة تصعيدية أعلن فيها أنّ "كل البنى التحتية ومنشآت الطاقة التابعة لتنظيم PKK "الإرهابي" في سوريا والعراق، ستكون أهدافًا مشروعة للقوات التركية. وبحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية، فإنّ أنقرة وبعد استهداف جنودها الـ12 في 23 ديسمبر في شمال العراق، دمرت نحو 50 من منشآت البنية التحتية لحزب العمال الكردستاني، بحجة أنّ الحزب يدير أنشطة منشآته العسكرية والاقتصادية واللوجستية تحت غطاء مدني.رفض أيّ عملية برية في شمال سورياطبعًا بالتوازي مع ذلك، واصل الجيش التركيّ الإعلان عن اغتيال قادة كبار في "وحدات حماية الشعب"، عن طريق الطائرات المسيّرة، التي تُعتبر الذراع الأقوى لتركيا في المنطقة، في ظل رفض موسكو وواشنطن أيّ عملية برية في شمال سوريا وشمال شرقها، حتى أنّ أنقرة حاولت تصفية القائد العام لهذه القوات في 4 إبريل العام الماضي في مدينة السليمانية العراقية، خلال زيارة له إلى هناك لكنها فشلت. التصعيد التركيّ ضدّ "قسد" دفع قائدها مظلوم عبدي للقول في حوار مع موقع "المونيتور" الأميركي، إنّ "الصمت الذي تبديه الولايات المتحدة إزاء الضربات التركية، يثير الشكوك، ويشي بـموافقة غير رسمية، ومرتبطة بتساهل واشنطن مقابل موافقة أنقرة على عضوية السويد بـ"الناتو"!. وأضاف عبدي أنهم تلقوا وعودًا من جانب واشنطن لوقف الهجمات التي تنفذها تركيا على شمال وشرق سوريا، لكنّ الهجمات لا تزال مستمرة. في حين يرى البعض أنّ التصعيد التركيّ الحاليّ على شمال شرق سوريا يعود لأسباب 3: الأول: أنّ الحرب ضدّ حزب العمال الكردستانيّ وفروعه في سوريا والعراق، ينبع من أمن قوميّ تركيّ بحت، حيث إنّ حزب العمال يمضي قدمًا نحو إعلان كيان كرديّ في شمال شرق سوريا، وهناك معطيات تؤكد على ذلك، منها إعلان الإدارة الذاتية عن عقد اجتماعيّ في 13 ديسمبر الماضي، وهو بمثابة دستور يخصّ المنطقة التي تسيطر عليها، ونيّتها إنشاء مجلس شعوب أي "برلمان" وبنك مركزي، الأمر الذي يهدد وحدتَي سوريا وتركيا بالتقسيم والتفتيت على أسس عرقية!حرف الأنظار عن حرب غزة الثاني: انتخابيّ داخلي، حيث تستعد تركيا لإجراء انتخابات بلدية في مارس المقبل، والحكومة التركية كعادتها تلعب بورقة الإرهاب في كل استحقاق انتخابي، لتستحوذ على الأصوات القومية في البلاد، وهو ما فعلته في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في مايو العام الفائت. الثالث: حرف الأنظار عن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي ذهب ضحيّتها حتى الآن ما يزيد على 22 ألف شخص، وأنّ إردوغان يرى في التصعيد ضدّ الأكراد في سوريا، أهم وسيلة يمكن أن يمتصّ من خلالها غضب الشارع التركيّ من استمرار العلاقات التركية- الإسرائيلية، وعدم قيام تركيا بأيّ إجراء ضدّ إسرائيل، حتى بعد خروج تظاهرات عدّة في مدن ومناطق تركية، تطالب بوقف العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزة. ومن هنا يرى البعض أنّ التصريحات الصاخبة لإردوغان ضدّ نتانياهو، هدفها التغطية على استمرار العلاقات الدبلوماسية والتجارية والعسكرية بين البلدين، حيث اتهمت المعارضة الحكومة التركية، بأنها ما زالت مستمرة بنشاطها التجاريّ المعتاد مع إسرائيل، رغم المجازر التي ترتكبها حكومة نتانياهو ضدّ الشعب الفلسطيني. الثابت الوحيد في كل ما يجري في شمال شرق سوريا، أنّ الصراع التركيّ -الكردي، ليس إلّا انعكاسًا للعلاقة المتوترة بين أنقرة وواشنطن، وهو ما ذكره موقع "هيل" الأميركي من أنّ تركيا صعدت هجماتها ضدّ الأكراد في شمال وشرق سوريا، بعد اندلاع الحرب في غزة في أحدث مثال لاستغلال أنقرة علاقاتها مع الولايات المتحدة. (المشهد)