فيما الحرب مشتعلة بين إسرائيل و"حزب الله" يلفت بعض المراقبين النظر إلى أن هذه الحرب التي تشنها إسرائيل اليوم هي ابنة "حرب الإسناد" التي شنّها "حزب لله" في 8 أكتوبر 2023 بقرار منفرد من دون مشاورة أيّ شريك في المعادلة اللبنانية الحساسة وشديدة التعقيد."حزب الله" لا يبحث عن حرب شاملة وكانت الذريعة المعلنة إشغال الجيش الإسرائيلي وتخفيف الضغط عن قطاع غزّة والفصائل المقاتلة فيه. أما الذريعة التي كان يروج لها في أوساط بيئة الحزب الطائفية أن المباشرة بحرب منضبطة الإيقاع والحدود تمت استباقًا لمخطط إسرائيلي بالهجوم على لبنان وغزّة معًا. وأن "حرب الإسناد" حمت لبنان من اجتياح إسرائيلي قد تكون حكومة اليمين المتطرف قررته تزامنًا مع قرار الحرب على غزّة بعد عملية "طوفان الأقصى". لكن مع الاجتياح الجويّ الواسع للبنان وحجم الخسائر المهولة على مختلف الأصعدة يتبيّن أن "حرب الإسناد" استنفدت كل الأعذار التي قدمها "حزب الله" ووضعت لبنان أمام الاستحقاق الأخطر عليه منذ عقود طويلة. فالحرب في بدايتها. المؤشرات تدل على أن الحرب قد تطول أكثر مما يأمل "حزب الله". والانضباط النسبي الذي يبديه في الرد على الضربات الإسرائيلية قد يكون هدفه إقناع العواصم الكبرى المعنية بالملف اللبناني بأن "حزب الله" لا يبحث عن حرب شاملة مع إسرائيل، وذلك على الرغم من أن الأخيرة تشنّ حربًا شديدة القسوة ترقى في مكان ما إلى حرب شاملة. لكن حسابات الحزب المذكور التي رسم بموجبها مشهد "حرب الإسناد" كما أراده فشلت في تقدير رد الفعل الإسرائيلي. والسبب أن قيادة "حزب الله" ومعها مرجعيتها في إيران بنت التقديرات على حسابات قديمة كانت سائدة قبل عملية "طوفان الأقصى". فإسرائيل بعد 7 أكتوبر لم تعد إسرائيل ما قبله.انهيار منطق محور "وحدة الساحات" لقد انتقل المستوى السياسي والأمني والشعبي إلى نمط تفكير مختلف تمامًا قائم على فكرة أن الحرب في غزة هي حرب وجود، وأنّ حرب لبنان الراهنة هي أيضا حرب وجود كونها نتيجة لـ"طوفان الأقصى" واستطرادًا هي ابنة القرار المتهور الذي اتخذه "حزب الله" مع مرجعيته الإيرانية في 8 أكتوبر. إذا قامت "حرب الإسناد" على حسابات خاطئة. وتوهم الإيرانيون أن إسرائيل لن تغامر بحرب واسعة ضد "حزب الله". وتثبت تطورات الأسابيع القليلة الأخيرة، أيّ منذ اغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت في 30 يوليو المنصرم انهيار منطق محور "وحدة الساحات" الذي بنى سلوكه خلال أكثر من عام على فرضيّة أن تل ابيب غارقة في غزّة، وعاجزة عن معاجلة مشكلتها في الشمال على الحدود مع لبنان. كما بنى المحور نفسه حساباته على قاعدة تأثير الرأي العام الدولي على الحكومات في الغرب، خصوصًا في الولايات المتحدة، أيّ أن تهزم إسرائيل في "بيت أبيها". لكن هذه الحسابات كانت قاصرة عن فهم عمق ما تمثله إسرائيل بالنسبة إلى الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وخصوصًا الدولة العميقة فيها. ومن الواضح أن قيادة "حزب الله" بالغت كثيرًا في البناء على مضمون تعليقات الصحافة الإسرائيلية، أو الأخبار الواردة من هناك حول الخلافات التي لا تنتهي. لم يدرك "حزب الله" وقيادته أنّ التعويل على أزمات إسرائيل السياسية في الداخل لا تعني تراخياً في حرب وجودية في غزة ولاحقًا في لبنان، أدى إليها تهور وجنوح قيادة ارتكبت الخطأ الذي ما كان يجب أن ترتكبه. فقد تبيّن أنه قاتل ليس للحزب وبيئته المؤيدة وحدهما، بل لكل لبنان بمختلف ألوانه. لقد تورطوا وورطوا الآخرين بالإكراه. حتى من وافقوهم كانوا يشهرون في الخفاء معارضة شديدة لقرار الحرب المتهور؛ والنتيجة معروفة.