كلّ المعلومات تشير إلى أنّه من المحتمل جدًا أن تبدأ معركة رفح على الحدود المصريّة مع قطاع غزّة في أيّ وقت. الهدف الإسرائيليّ معلن، لكنّ حلفاء إسرائيل الغربيّين لا يؤيّدون اقتحام مدينة رفح بأيّ ثمن، حيث يحتشد أكثر من مليون ونصف المليون من النّازحين. لأنّ المعركة ستكون مكلفة جدًا على المستوى الإنساني. لكنّ الإصرار الإسرائيليّ يمثّل نوعًا من الضّغط والتّهديد، بهدف إنجاز صفقة سياسيّة تحت تهديد فوّهات المدافع.فيتو أمام إسرائيل فقيادة حركة "حماس" العسكريّة العليا، وفي المقدّمة يحيى السّنوار، صارت محاصرة في أنفاق بعض الأحياء التي لم يصل إليها الاسرائيليّون في خان يونس، ومدينة رفح التي يشكل فيها العدد الهائل من النّازحين، مصدر حماية من المرجّح أن تدفع الولايات المتّحدة والحلفاء الغربيّين إلى وضع فيتو أمام إسرائيل، لمنعها من اقتحام رفح نظرًا إلى ضخامة الكلفة البشريّة، وللتداعيات على مصر، إذا ما حصلت محاولة جدّية من قبل مئات آلاف النّازحين، لاقتحام الشريط الشّائك الذي يفصل رفح عن سيناء المصريّة. إذًا نحن أمام حالة استثنائية هي قضيّة مدينة رفح ومصيرها. أمّا مخيّمات محافظة الوسط، فستتواصل فيها الحرب بوتيرة منخفضة، وبعيدًا نوعًا ما عن أضواء الإعلام العالميّ إلى أن يتغير الواقع فيها. طبعًا هذا لا يعني أبدًا أنّ إسرائيل ستتمكن من تحرير أسراها، أو أقلّه القسم الأكبر منهم. فمع مرور الوقت سترتفع الفاتورة مع تكشّف المزيد من جثث الأسرى بين أنقاض المباني وفي الأنفاق. إنّما نحن نعرف أنّ هدف تحرير الأسرى، ليس الأوّل على اللّائحة الإسرائيليّة. الهدف الأوّل، هو تقويض سلطة "حماس" في غزّة، إمّا بإلحاق هزيمة عسكريّة بها تكون ساحقة، أو بمحاصرتها والضّغط على العامل الإنسانيّ للنّازحين، بما يؤدّي إلى صفقة لإخراجها. فكما أنّ إسرائيل تواجه ضغوطًا خارجية كبيرة، بسبب الوضع الإنسانيّ المخيف في غزّة بسبب العمليّة العسكريّة، فإنّ حركة "حماس" بدأت تواجه استحقاقًا ممثّلًا من بيئتها الحاضنة التي وصلت إلى حدود قدرتها على التحمّل. ولا داعيَ هنا لشرح الوضع، أنّ تقديم الأرقام المخيفة والمروّعة. إنّما ما من شكّ في أنّ طاقة أهل غزّة على التحمّل بلغت حدودها القصوى. ولذلك نحن نلاحظ أنّ "حماس" والفصائل يضعون شرط تحقيق هدنة طويلة أساسًا لأيّ صفقة مقبلة.حرب "المشاغلة" في المقابل يحاول رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو أن يكسب مزيدًا من الوقت، لأنّ الجيش الإسرائيليّ، وعلى الرّغم من خسائره الكبيرة نسبيًا في حرب المدن والشّوارع التي يخوضها ضد "حماس" والفصائل الأخرى، يواصل التقدم بفعل التفوّق النوعيّ في السّلاح، والكمّي في الذخائر. وواضح أنّ استمرار الحرب يصبّ في صالح المشروع الإسرائيليّ الأبعد، الذي يبدأ بمحاولة تحقيق انتصار، وإخراج "حماس" من غزّة، وتحويل الحياة في القطاع إلى جحيم طويل الأمد، قد يسهّل أهداف إسرائيل التاريخيّة المعروفة. إنّما يجب التيقّن من أنّ الهوامش الزمنيّة، أمام تلّ أبيب ضاقت كثيرًا. واقترب موعد إنهاء الحرب الواسعة، مع إمكانيّة مواصلة عمليّات انتقائيّة لأسابيع عدة مقبلة. في المقلب اللبنانيّ ليس سرًا أنّ حرب "المشاغلة" التي يخوضها "حزب الله"، لها هدف سياسيّ أكبر من الهدف العسكريّ الذي وضعه الحزب المذكور، عندما قال الأمين العامّ للحزب، إنّ العمليّات تهدف إلى مساندة "حماس " والفصائل، وتخفيف الضّغط عن القطاع. هذا الهدف لم يتحقّق يومًا. إنّما الهدف السياسيّ الذي يعمل له "حزب الله"، مركّز على تعزيز قبضته على لبنان. عبر استكمال سيطرته على الحياة السياسيّة والأمنيّة. والواقع أنّ المستوى السياسيّ الرسميّ في لبنان، أسهم من خلال سياسات انتهازيّة صغيرة وقصيرة النّظر، في تعبيد طريق "حزب الله" نحو الإمساك بمفاصل الدّولة والقرار السيادي. وقد تحولت الجولة إلى رديف يعمل لخدمة سياسات الحزب المذكور، بخياراته ووظيفته الإقليميّة. هذا من دون أن ننسى التحوّل الديموغرافيّ والعقاريّ المنهجيّ الذي يدفع "حزب الله" باتّجاهه، لتحقق غلبة حاسمة لبيئته المذهبيّة على بقيّة البيئات اللبنانيّة. وحرب "المشاغلة" أداة مهمّة من أدوات إحكام السّيطرة وتغيير طبيعة لبنان على المدى الطّويل. في الخلاصة نقول إنّ احتمال الانزلاق إلى الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل، بات مرتفعًا جدًا!