من تابعَ أحداث غزّة منذ وقوعها في 7 أكتوبر الشهر الماضي، لاحظ أنّ التصريحات الأعلى حدّة ضدّ إسرائيل، جاءت على لسان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي وصف إسرائيل بأنها "دولة إرهاب"، مدّعيًا أنه سيواصل عزل إسرائيل دوليًا مقابل دعم فلسطين، ومحاكمة القادة العسكريّين والسياسيّين الإسرائيليّين أمام المحاكم الدوليّة، بعدما قتلوا الفلسطينيّين المظلومين في غزّة، حتى أنّ بعض المتحمّسين اعتقد أنّ إردوغان سيُرسل بوارجه الحربيّة إلى قبالة شواطىء غزّة، ويقوم بتحرير القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 360 كيلو مترًا، والمعروف أنّ تركيا وبحسب شركة الأبحاث "ستاتيستا" Statista هي ثاني دولة في الناتو من حيث عدد الأفراد، إذ يبلغ عديد الجيش التركيّ 447 ألف فرد! والسؤال الآن، هل تستطيع ثاني دولة في الناتو محاربة إسرائيل أو التلويح بذلك، أليس حلف الناتو بكامله يعمل لصالح إسرائيل؟!293 سفينة من تركيا إلى إسرائيللو كان إردوغان جادًّا في كلامه لقطع العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدَين وطرد السفيرة الإسرائيليّة، وأغلق سِفارته في تلّ أبيب، لكنه لم يستدعِ سفيره إلّا بعد أن قامت إسرائيل باستدعاء سفيرتها ودبلوماسسيّيها من أنقرة، ولكان أوقف اتفاقية التجارة الحرّة السارية بين البلدَين منذ العام 1997، وفي هذا الصدد يؤكد خبراء اقتصاديون أتراك، أنّ عدد السفن المتّجهة من تركيا إلى إسرائيل منذ بدء عملية "طُوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، وصل إلى 293 سفينة، والمعروف أنّ قيمة التبادل التجاريّ بين البلدَين تتجاوز عشرة مليارات دولار سنويًا، وهو ما نبّه له زعيم حزب المستقبل المعارض أحمد داود أوغلو، الذي قال: إنّ إردوغان لم يقف بوجه إسرائيل بسبب خوفه من أن يخسر بضعة مليارات من الدولارات! ما يقوم به إردوغان من رفع الصوت والخطاب أمام الملايين في اسطنبول وأنقرة، والتهديد بالذهاب إلى محكمة الجنايات الدوليّة، واتهام إسرائيل بالإرهاب والتركيز على شخص بنيامين نتانياهو، ليس إلّا حلقةً جديدةً من مسلسل التصعيد الشعبويّ ضدّ إسرائيل، استجابة لضغط الشارع التركيّ المحتقِن من فظاعة المجازر الإسرائيليّة، فثمّة قطاعاتٌ عريضةٌ تطالب إردوغان بفعل شيءٍ من أجل غزّة، ومنهم شركاؤه في التحالف الحاكم، حتى أنّ بعضهم ذهب إلى أكثر من ذلك، وطالبه بالردّ عسكريًا، وهو الذي يعتبر أنّ فوزه في أيّ انتخابات هو نصر للعرب والمسلمين، ومنهم أهل غزّة. فهل كانت الأفعال التركيّة هذه المرة ترتقي إلى مستوى الجرائم الإسرائيليّة؟ هل قام إردوغان بأيّ فعل يمكن أن يشكره عليه أهل فلسطين وأهل غزّة تحديدًا؟ ألم يطلب إردوغان من قادة "حماس" الخروج من تركيا بعد 7 أكتوبر، حتى لا يُتّهم بأنه يسمح لـ"حماس" بإدارة عمليّاتها في غزّة من تركيا؟! بحسب ما نشر موقع "المونيتور" الأميركي!نتانياهو تجاهل نداءات قادة العالموللعلم فإنّ إردوغان عبّر بعد عملية "طوفان الأقصى"، عن رفضه استهداف المدنيّين مهما كانت الجهة التي تقوم بذلك! ووصفت وسائل إعلامه ما قامت به "حماس" بأنّه إرهاب، وأنّ استهدافها المدنيّين هو "جريمة حرب" لا تختلف عن ممارسات إسرائيل المتكررة بحقّ الفلسطينيّين، الأمر الذي أغضب "حماس" وحركات فلسطينيّة أخرى! والسؤال الآخر، هل أوقف إردوغان معاهدة 1996 التي تنصّ على التعاون الأمنيّ بين البلدَين؟ هل أوقف معاهدات التعاون العسكريّ؟ بالطبع لم يفعل ولن يفعل! إردوغان الذي هدّد وأرعد وأزبد، استقرّ أخيرًا إلى أنّ بلاده ستتّخذ العديد من الخطوات تجاه أهل غزّة في المجال الصحي، ومنها نقل 27 مريضًا بالسرطان إلى تركيا، وأنّ تركيا ستقوم بإيصال كميّة كبيرة من المساعدات إلى المنطقة عبر الشحنات الجويّة والبحريّة لتلبية الاحتياجات الأساسيّة مثل الغذاء والدواء والمياه! ليكون "حرف السين" هو السيد في بداية أيّ حديث لإردوغان عن غزّة! في مقابلة تلفزيونية لوزير الخارجية التركيّة حقّان فيدان قال: إنّ تركيا تسعى لعمل جماعيّ ضدّ إسرائيل، ولهذا هي عضو في اللجنة السباعيّة العربيّة الإسلاميّة التي تشكلت بعد القمة العربية الإسلامية في الرياض في 11 نوفمبر، وإنّ تركيا تفضل أن تتحرك بشكل جماعي، وكأنه بهذا يبرّر عدم قيام تركيا بأيّ فعل فرديّ ضدّ إسرائيل، ويتابع، لهذا قامت السيدة أمينة إردوغان "حرم رئيس الجمهورية" بدعوة عقيلات رؤساء الدول لاجتماع في إسطنبول عُقد في 15 من الشهر الجاري، لكن إذا كان نتانياهو تجاهل نداءات قادة العالم، فهل سيردّ على زوجاتهم؟! فعلًا هو المضحك المُبكي!