بحلول شهر رمضان من كل عام، يتجدد النقاش، داخل المغرب وخارجه، حول مراقبة الهلال، واختلاف بدء الصيام ثم الإفطار في العيد مع فاتح شوال، وبالتالي عدم توحّد +الدول العربية والإسلامية كافة حول موعد واحد، إلّا نادرًا، وهو ما يتجلى غالبًا في اختلاف نتائج مراقبة الأهلّة في المغرب وعُمان (وليبيا في مرحلة سابقة) عن باقي الدول، بما يقود في أحيان كثيرة إلى نقاش ذي بعد سياسي، رغم أنّ المسألة مرتبطة بدرجة أولى بالطريقة التي تتبعها كل دولة في مراقبة الهلال.أهمية الحساب الفلكيترى الطريقة الأولى أنّ الإقرار بدخول الشهر لا يكون إلا بالرؤية المجردة، من دون أيّ احتكام لأهمية الحساب الفلكي، فيما تعاكسها الطريقة الثانية، التي لا تعمل بالرؤية وتفضل الحساب الفلكي، وفق معايير لا تتقاطع في معظم الأحيان مع نتائج الرؤية المجردة، وهناك طريقة ثالثة، تستخدم الرؤية المجردة، والحساب الفلكيّ أيضًا، لكن فقط لنفي الرؤية لا لإثباتها، وكما هو معلوم، فإنّ لكل طريقة أتباعها ومدافعين عنها علميًا وفقهيًا. للمغرب طريقته الخاصة في مراقبة الهلال، التي يرى مناصروها أنها تجعل نسبة الشكّ منعدمة في المنهجية المغربية لرصد مراقبة الهلال، وتؤكد أنها لم تخلف أخطاء في مراقبة الهلال طيلة العقود الثلاثة الماضية، إلّا في حالات شديدة الندرة، فيما يعتبر البعض من دول أخرى أنّ هذه الطريقة سبب في الخروج عن "الإجماع" الخاص بموعد بدء شهر رمضان والاحتفال بالعيد في شوال بعده. بداية، فإنّ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، هي الطرف الوحيد المخوّل بالإعلان عن دخول الشهر القمريّ الجديد، والاعتماد بدرجة أولى وأساسية على المراقبة المجردة، فبحلول اليوم الثامن والعشرين من كل شهر، يصدر بلاغ معمّم على كل وسائل الإعلام والتواصل الرسمية، يدعو لمراقبة الهلال وإبلاغ الوزارة بالنتائج، وذلك بالتعاون مع مراقبين معتمدين في 278 نقطة مراقبة في المملكة، تضم كل نقطة 10 أفراد، بينهما عدلان موثّقان.حركتا الشمس والقمرفي اليوم التاسع والعشرين، وقبيل الغروب، تجتمع خلية خاصة في المصلحة المعنية في الوزارة، تتوصل بنتائج المراقبين الرسميّين، مع مطالبتهم بتعبئة استمارة تضم مجموعة من الأسئلة الدقيقة حول مواصفات الرؤية، لينتظر بعد ذلك التوصل بالنتائج الخاصة بوحدات القوات المسلحة الملكية المكلفة بالمراقبة، وبناءً على ذلك، تكون هناك مطابقة للنتائج وإعلان رسميّ عن ثبوت الرؤية من عدمها. أما بالنسبة لعملية المراقبة، فإنّ المغرب لا يقتصر فقط على الرؤية المجردة، بل يسندها بالحسابات الفلكية، المنظمة وفق كتاب تصدره الوزارة سنويًا، يتضمن معلومات فلكية حول مواصفات الأهلة وطرق الحساب والرؤية، بالاعتماد في الآن ذاته على الطرق التي أكدت فاعليّتها وصحتها، وابتكرها الفلكيون المسلمون، سواء الأندلسيون أو المشارقة، منذ قرون، والحسابات الفلكية المعاصرة المعتمدة على أحدث التقنيات في متابعة حركتَي الشمس والقمر. وعلى كل حال، فالأجدر ربما ألّا يتم جر هذا النقاش إلى ساحة سياسية (ساحة مكتظّة أصلًا بما يكفي من خلافات) واعتبار ذلك بالتالي خروجًا عن أيّ إجماع، بل بالعكس، قد يكون في هذا الاختلاف في طرق المراقبة تأكيد على التنوع الذي تشهده منطقة مترامية الأطراف، تضم مختلف الأعراق والملل، فيما يوحدها الصيام وتقاسم فرحة العيد، وإن اختلفت التواريخ.