عندما نشر رولان بارت مقالته الشهيرة عن "موت المؤلف" قبل أكثر من نصف قرن تقريبا، بدا جليا أن نظريته قد أتت في سياق حراك (موضة؟) ما، شهده العالم بعد كل ما عايشه من أهوال خلال الحرب العالمية الثانية، ورغبته العارمة بالتالي في الثورة على كل شيء، وإعادة صياغة وبناء كل المفاهيم المتوارثة، وبالفعل، وجدنا أنفسنا في خضم مصطلحات تتنبأ بموت ونهاية "كل شيء"، بما في ذلك الحضارة الإنسانية، التي بلغت ذروتها واكتمالها، بحسب التوصيف الغربي، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي.تزايد عدد الإصدارات الأدبيةبالعودة إلى الأدب، تأكد بالملموس أن ثورة وسائل التواصل الاجتماعي قد حملت معها تحولات عميقة في طبيعة مثلث العلاقة بين الكاتب والقارئ والناقد، كما تزايد عدد الإصدارات الأدبية بشكل مطرد، مع تسابق الجميع نحو صفة "كاتب"، فصار من الصعب تتبعها ودراستها وبالتالي اقتراح أجودها على القراء، ودخل العامل التجاري على الخط، بظهور مصطلحات من طينة "الأعلى مبيعا" وغيرها، فأدى كل ذلك إلى "موت" الناقد، بما يعنيه ذلك من تراجع مكانته الرمزية في المثلث الذي أشرت إليه، بقدرته على الدراسة المعمقة والتوجيه الصريح، وهذا مقابل الاهتمام المتزايد بالمراجعات "المبسطة" التي تتجنب المصطلحات النقدية والأكاديمية المتخصصة، وتميل في مجملها إلى تلخيص العمل ومناقشة بعض مضامينه بشكل مختصر، قد يناسب كل من يبحث عن فكرة عامة أو أولية عن الكتاب. في هذا الصدد، ظهر موقع "الغودريدز" وتنامى دوره إلى حد كبير، وهو باختصار موقع مخصص لتقييم الكتب، يمكن أي قارئ من تقييم كتاب قرأه من نجمة واحدة إلى 5 نجوم، مع إضافة قراءة مختصرة أو ملخص لهذا التقييم، يمكن لباقي القراء التفاعل معه سلبا أو إيجابا، كما يمنح الموقع مزايا أخرى مرتبطة بتحديات القراءة السنوية، حيث يضع القارئ في بداية السنة عددا محددا من الكتب التي يريد قراءتها طيلة السنة، على أن يتكفل الموقع بمواكبة هذا التحدي، وبالتالي المساهمة في الرفع من نسب المقروئية بين المنخرطين.جانب مظلمبمرور الوقت، صار الموقع عاملا حاسما في اختيارات العديد من القراء، فقد يذهب أحدهم إلى المكتبة، وأمام تعدد الخيارات، يلجأ إلى "الغودريدز" الذي يعطيه فكرة عن المعدل العام للكتاب مقارنة بعدد قرائه، فإذا تجاوز معدله 4 مثلا، يقتنيه القارئ بلا تردد، فيما قد يحجم عن اقتناء كتاب آخر بالكاد تجاوز 3 أو 2، وهو ما يشبه إلى حد ما تأثير موقع IMDB على تقييم الأفلام السينمائية، فاستفاد الناشرون العرب بدورهم من الموقع، وصار المعدل العام لتقييم الكتاب عاملا حاسما أيضا في شراء حقوق الكتاب وترجمته بالتالي إلى اللغة العربية. المشكلة هنا أن للموقع جانبا مظلما، قد لا يختلف إلى حد ما عن أجواء كل مواقع التواصل الاجتماعي، فمع تزايد عدد الكتاب، وما يعنيه ذلك من منافسة حول اجتذاب شرائح واسعة من القراء، ودور الجوائز الأدبية الذي لا يمكن إغفاله، صار الموقع بالنسبة لبعض ضعاف النفوس، فرصة للتأثير إما على القراء، أو الكتاب أنفسهم، وذلك بخلق عدد كبير من الحسابات الوهمية، (وهو ما نراه في "فيسبوك" و"إنستغرام" وغيرهما) مهمتها التلاعب بالأرقام، إما للرفع من شأن الكتاب الفلاني، أو العكس، بالتقليل من شأنه، بما يقود إذن إلى مصداقية مشكوكة، متأثرة بخوارزميات آلية، وتنافسية لا أخلاقية، تضرب رسالة الأدب نفسها في مقتل...