حَرِص الرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان قبيل ذهابه لنيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على توجيه دعوة جديدة للقاء الرئيس السوريّ بشار الأسد من أجل تطبيع العلاقات بينهما، والقول: إنه بانتظار الرد من الطرف الآخر. إردوغان بهذه الدعوة الجديدة، يؤكد أنه لن يكلَّ ولن يملَّ من دعوة الأسد للقائه، وهو يرى أنّ اللقاء قد يحل أغلب المشكلات العالقة بين الطرفين إن لم يكن جلّها، وخصوصًا أنه قال: إنّ تركيا لن تتدخل في الشؤون الداخلية السورية، وهذا ما تطلبه دمشق.رسائل إردوغان الأخيرة لبشار الأسد توجيه إردوغان الدعوة للرئيس الأسد قبيل ذهابه إلى نيويورك يؤكد أمرين: الأول: أنه مستمر بالعمل من أجل التقارب مع سوريا تحت أيّ ظرف، وهذه رسالة مزدوجة للداخل التركيّ والعالم الخارجي، باعتبار أنّ وجهته الأمم المتحدة. الثاني: أنّ إردوغان أدرك أنّ تركيا لن تنعم بالاستقرار والهدوء ما لم تحل مشكلاتها مع سوريا والمتمثلة في عودة اللاجئين السوريّين، ومحاربة الإرهاب وتأمين الحدود. رسائل إردوغان الأخيرة موجهة أيضًا لروسيا صاحبة المبادرة التي أخرت زيارة بوتين إلى أنقرة أكثر من مرة، والتي ترى في المصالحة السورية- التركية مصلحة قومية، حيث أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أنّ "تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا" يحظى بأهمية حيوية لجهة التوصل إلى حل شامل في سوريا وتعزيز الأمن الإقليمي. أما الولايات المتحدة وعلى الرغم من أنها لم تعلق كثيرًا على تصريحات إردوغان المتكررة تجاه سوريا، لكنها أرسلت وفدًا برئاسة نائب وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية جون باس، التقى كبير مستشاري الرئيس التركيّ للشؤون السياسة والخارجية والأمن عاكف تشاتاي قليج، ولا شك أنّ التقارب السوريّ كان في صلب هذه المحادثات، حتى أنّ صحيفة حرييت ذكرت أنّ وزير الخارجية التركية هاكان فيدان، وجه رسائل لواشنطن عقب المباحثات، تؤكد أنه إذا توقفت واشنطن عن دعم الوحدات الكردية، فسوف يتم فتح طرق الحل في سوريا، لأنّ تركيا ترى أنّ أهم مشكلتين تحتاجان إلى حل قبل تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، هما مشكلتا اللاجئين والإرهاب.أهداف إردوغان من التقارب مع دمشقومن هنا يمكن القول: إنّ دعوة إردوغان الجديدة للأسد، تؤكد أنّ أنقرة ستعمل ما في وسعها للتقارب مع دمشق لتحقيق أهداف عدة: الأول: منع قيام كانتون كرديّ انفصاليّ شمال شرق سوريا بدعم من الولايات المتحدة، وهذا يحتاج لتفاهم تركيّ- سوري، ودعم روسيّ وانكفاء إيراني، والتوصل لاتفاق أمنيّ بين الطرفين، كالعودة لاتفاقية أضنة أو تعديلها، وهذا ما يُحرج الولايات المتحدة ويجعلها عاجزة عن تنفيذ مشاريع التقسيم في سورية والمنطقة. الثاني: تفكيك المجموعات الإرهابية شمال غرب سوريا، وهذا لن يتحقق من دون اتفاق تركيّ- سوري، وهو ما أشار إليه إردوغان بالقول: إنّ المعارضة السورية والدولة نجحتا في عدم الاشتباك، وهذا ما يفسر تحرك أنقرة تجاه الفصائل المسلحة والعمل على حل بعضها كلواء "صقور الشمال" كبداية، ما يؤدي إلى حل شامل يمنع تجدد الأزمة، ولعلّ إصدار الرئيس الأسد عفوًا عامًا أمس مقدمة لتسوية وضع هؤلاء. الثالث: عودة اللاجئين السوريّين إلى بلادهم، ويرى فيها البلدان مصلحة مشتركة، لأنّ عودتهم الطوعية والآمنة ستخفف من الاحتقان الداخليّ في سوريا، أما في تركيا فلن تستطيع المعارضة استخدام هذه الورقة في وجه إردوغان وحزبه، خلال كل انتخابات تجري في البلاد. الرابع والأخير: مصلحة اقتصادية، حيث إنّ عودة السلام والهدوء في سوريا سيُعيد فتح الطرق الدولية وعودة المعابر بين الطرفين، ما ينعش اقتصاد البلدين وخصوصًا تركيا التي تطمح للوصول للأسواق الخليجية برًا عن طريق سوريا والأردن. ومن هنا يمكن القول: إنّ أيّ مبادرة لتطبيع العلاقات مع أنقرة، يجب أن تُبنى على أسس في مقدمتها عودة الوضع الذي كان سائدًا قبل العام 2011، وهو ما قاله الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب السوري، وإزالة الأسباب التي أدت إلى القطيعة بين البلدين. لذا يمكن الجزم أنه لن تُعقد أيّ قمة سورية- تركية قبل حصول سوريا على ضمانات تامة بانسحاب القوات التركية من أراضيها، وتفكيك المجموعات الإرهابية وترحيل المقاتلين الأجانب، تتوّج بعقد اتفاقية أمنية تضمن أمن حدود البلدين، ما يضطر "قسد" لفصل نفسها عن PKK وتسوية وضعها الداخليّ مع الدولة السورية، استعدادًا لانسحاب أميركيّ قادم مهما طال الزمن.