مرّ عام كامل على "زلزال الحوز" الذي ضرب منطقة الأطلس الكبير الغربي بالمغرب يوم 8 سبتمبر من السنة الماضية، والذي أدى إلى موجة تضامن وطني قوية، كما نتج عنه تكتل دولي داعم للمغرب، بعد أن أسفرت الهزات الأرضية عن آلاف الضحايا والمشردين، وعن خسائر مادية كبيرة. وقد سارعت السلطات المغربية مباشرة بعد تلك الكارثة الطبيعية إلى تخصيص صندوق خاص لتدبير نتائجها، والذي تم تقديره بأزيد من 12 مليار دولار تم رصدها لتدارك الأوضاع على مدى الـ5 سنوات الموالية للفاجعة، وذلك لإعادة الإعمار بعد اختفاء قرى بكاملها، وتضرر الكثير منها بدرجة كبيرة.كما هبّ المجتمع المدني المغربي بجمعياته وتنظيماته المختلفة إلى عين المكان لمساعدة السكان وتقديم العون الضروري في أوضاع صعبة. وسارعت العديد من الدول الصديقة إلى دعم ومواساة المغرب في هذه الكارثة الطبيعية، ومما لفت الانتباه آنذاك رفض المغرب للعديد من اقتراحات التدخل للمساعدة، وخصوصًا طلب فرنسا والجزائر، مقابل قبول دول أخرى قليلة، مما دل آنذاك على قرار المغرب باعتماده على إمكانياته الذاتية بالنسبة الأكبر، وهي تجربة تحدث لأول مرة في تاريخ المغرب المعاصر.وقد طرحت بعد الزلزال آنذاك 3 أولويات: إيواء المنكوبين وتدبير شؤون معاشهم اليومي.شق الطرقات التي أدى الزلزال إلى إغلاقها في منطقة جبلية وعرة.تمدرس الأطفال الذين اختفت مدارسهم وانهدمت.وطرحت بجانب هذه الأولويات قضايا تدخل ضمن الأمور المعنوية والثقافية مثل ضرورة الحرص على إعادة البناء وفق الخصوصيات الثقافية المحلية ذات الطابع الأمازيغي، وكان ذلك موضوع خطاب ملكي، كما ورد في بيانات ومطالب الحركة الجمعوية. إضافة إلى هذا طرح موضوع الآثار التاريخية العريقة التي تضررت من أثر الزلزال سواء بمدينة مراكش أو المناطق الجبلية المتاخمة لها، ومنها مدرسة "تينمل" الشهيرة، والتي بناها محمد بن تومرت مؤسس الإمبراطورية الموحدية قبل 800 عام.وقد عاد النقاش بشكل حاد ابتداء من الثامن من سبتمبر الحالي، حيث تزامنت الذكرى الأولى مع احتجاجات العديد من منكوبي الزلزال الذين اشتكوا من تأخر تحقيق الوعود الحكومية، وهو تأخر عزته المنابر الإعلامية والتحقيقات الصحفية إلى تقاعس المسؤولين المحليين عن القيام بأدوارهم في الوقت المحدد، كما أرجعه السكان إلى حضور بعض المسلكيات "الزبونية" و"المحسوبية" من طرف المكلفين بتنفيذ قرارات الدولة.وقد أثار العديد من المهتمين والملاحظين مشكلة هدر الزمن في تنفيذ البرامج الحكومية، خصوصًا وأن الأمر يتعلق بسكان منكوبين ظلّ الكثيرون منهم مقيمين في الخيام ومعرضين لقساوة الطبيعة الجبلية. وبموازاة ذلك أثار البعض تبعات زلزال "الحسيمة" الذي ضرب المدينة الشمالية عام 2004، والذي تأخر بعده تفعيل الوعود الحكومية بشكل كبير أثار استياء السكان، بل إن هناك من اعتبر بأن الاحتقان الاجتماعي الذي جاء بعد سنوات طويلة من تلك الفاجعة، والذي اشتهر بـ"حراك الريف" كان لهذا السبب بالذات.ومن أهم أسباب النقد الشديد الذي وجهّه فاعلون مدنيون ومؤثرون في شبكات التواصل الاجتماعي للحكومة، السرعة الفائقة التي يتم بها بناء ملاعب الكرة الضخمة استعدادًا لتنظيم كأس إفريقيا لكرة القدم في نهاية عام 2025 وبداية 2026، وكأس العالم سنة 2030. حيث في مقابل الجدية والنظام والالتزام الذي أظهرته الدولة في هذا المجال، لاحظ بعض المهتمين التراخي والتأخر في الوفاء بالتزامات الحكومة تجاه ضحايا الزلزال، ما جعل بعض المعلقين يؤكد على أن أهم علامة للرقي الحضاري للدول هو جعلها العنصر البشري في مركز اهتمامها باعتباره "كرامة" قبل كل شيء.وإذا كانت السلطات المحلية قد استقبلت السكان المحتجين واستمعت إلى شكاويهم ومعاناتهم، وهذا شيء إيجابي وهام، إلا أنّ الفاعلين المدنيين يركزون على ضرورة وجود أثر ملموس للسياسات العمومية على واقع الناس وحالاتهم، مما جعلهم يتحدثون عن أهمية إحداث "زلزال معنوي" يغيّر العقليات وأساليب التدبير التي لم تعد كافية لمواكبة التحولات الراهنة.(المشهد)