المتعارف عليه، عند بدء أي عهد، في أي بلد، أن المعارضة في الداخل، أو الدول المؤيدة والداعمة له، تعطي "فترة سماح" للسلطة الجديدة، وغالباً ما تمتد هذه الفترة لمئة يوم كحدٍ أقصى. المعارضة والدول تراقبان أداء السلطة في هذه الفترة، وتقارن بين هذا الأداء المحقق وبين الوعود المقطوعة التي أعطيت، فإذا طابق حقل الوعود بيدر الأداء، تنكفئ المعارضة وتقدِّم الدول المؤيدة الدعمَ للسلطة الجديدة، أما إذا انتهت فترة السماح من دون تحقيق أي إنجاز للوعود التي أعطيت، فإننا نكون أمام وضعٍ أقل ما يقال فيه إنه صعب.يبدو أننا في لبنان أمام المشهد الثاني، أي أمام أن فترة السماح اقتربت من أن تنتهي، إذ لم يتبقَّ منها سوى أيام معدودة، وما لم يتحقق في تسعين يوماً هل يمكن أن تحدث معجزة في الأيام العشرة الأخيرة المتبقية؟ يبدو الأمر صعباً، وسنكون أمام مرحلة ما بعد "فترة السماح" الأميركية، بمعنى آخر، ولَّى زمن الجزرة ولاح زمن العصا. في الدبلوماسية، عادة ما تستخدم الدول شخصيات متفاوتة في الأَطباع، فهناك الدبلوماسي "الليِّن"، وهناك الدبلوماسي "الخشن"، في الحال التي نحن فيها راهنًا، تصنَّف "مورغان أورتاغوس"، نائبة الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط على أنها "دبلوماسية خشنة"، لأنها توصِل الرسالة كما هي، من دون أي "روتوش"؟ وحين تأتي إلى لبنان، يتهيَّب الجميع الموقف، وهذا ما هو حاصل.ستأتي "أورتيغوس" لتقول للمسؤولين اللبنانيين الذين ستلتقيهم، جملة من الثوابت أبرزها: وافقتم على اتفاق وقف إطلاق النار الذي يعني أن لا سلاح خارج إطار الشرعية، فأين أصبحت هذه الترجمة؟ نزع سلاح حزب الله، ليس فقط وفق ما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار، بل، وبشكلٍ أساسي، تطبيقاً لاتفاق الطائف الذي ورد في أحد بنوده، "نزع سلاح كافة الميليشيات" وهو ما حصل جزئياً مطلع تسعينيات القرن الماضي بنزع سلاح "القوات اللبنانية" والحزب التقدمي الإشتراكي، بشكلٍ أساسي، فيما أبقى على سلاح حزب الله بقرار من النظام السوري الذي كان يتحكم بمفاصل الدولة اللبنانية. اليوم تغيَّرت المعادلة رأساً على عقب: لا عمق سورياً لحزب الله، حيث إن عمقه الإستراتيجي، الممثَّل بالنظام السوري السابق، لم يعد موجوداً، لا بل على العكس من ذلك، فإن النظام السوري الجديد أصبح "بيئة معادية" للحزب، بعدما كان النظام السابق "بيئة حاضنة". لم يعد سلاح حزب الله من ضمن منظومة إستراتيجية، فهذه المنظومة كانت متوافرة قبل الثامن من أكتوبر 2023، حين كان الحزب "جيشاً متكاملاً" لجهة العديد والعتاد والعقيدة القتالية والأمرة الهرمية التي تبدأ في طهران وتنتهي في حارة حريك، وكان الحزب يمتلك مصانع أسلحة سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت أو في البقاع اللبناني، أو في سوريا على الحدود مع لبنان، كما كانت تصله ملايين الدولارات من الجمهورية الإسلامية في إيران، بالإضافة إلى تمويل رديف من تصنيع وتجارة حبوب "الكبتاغون".اليوم، كل هذه "الإمبراطورية" المترامية الأطراف هي بين الانهيار والتصدع، وهذا ما يتيح الحديث عن "أفول عصر حزب الله"، وهذا الأفول لا تقوم به جهات خارجية، بل على الدولة اللبنانية أن تتولاه، وهذا ما تدفع في اتجاهه الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما ستحاول "الدبلوماسية الخشنة"، مورغان أورتاغوس، أن تطرحه مع السلطات اللبنانية، فإذا لم تنجح لا تكون المسؤولية عليها بل على مَن رفض هذه المطالب، وهي لن تقول أكثر من أن "فترة السماح الأميركية" انتهت! فهل يعي المسؤولون اللبنانيون معنى هذا التحذير؟