منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، كانت الولايات المتحدة ولا تزال لاعباً رئيسياً في تحديد مسار الأحداث، ومع تغير الإدارات، تتبدل السياسات والإستراتيجيات، لكن يبقى الهدف الأساسي واحداً، وهو الحفاظ على النفوذ الأميركي في المنطقة. في هذا السياق، يبدو أن الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، الذي عاد إلى المشهد السياسي، يعيد ترتيب أوراقه فيما يخص أوكرانيا، عبر تكليف شخصيات مختلفة بمهام دبلوماسية تتناسب مع نهجه الخاص.ويتجلى هذا التوجه في إرسال الجنرال المتقاعد كيث كيلوغ إلى كييف، وهي خطوة تحمل في طياتها رسالة واضحة لكل من أوكرانيا وحلفاء الولايات المتحدة الأميركية في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فاختيار كيلوغ، الذي لم يكن على علاقة سابقة بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يشير إلى رغبة ترامب في فتح قنوات اتصال جديدة مع أطراف أوكرانية أخرى قد تلعب دوراً في مستقبل البلاد السياسي. بالإضافة إلى ذلك، إن هذه الإستراتيجية تعكس تقليداً أميركياً في السياسة الخارجية يتمثل في عدم المراهنة على طرف واحد، بل على عدة لاعبين لضمان أكبر قدر من النفوذ والمرونة في التعامل مع الملفات خاصة الشائكة منها.في المقابل، تختلف مقاربة التعامل مع الاتحاد الروسي، إذ أن إرسال كيلوغ بسمعته كـ "صقر" إلى موسكو قد يكون غير مجدٍ في المرحلة الحالية، ولهذا السبب، يبدو أن الدور الروسي أوكل إلى رجل الأعمال وصانع الصفقات ويتوف، الذي يحظى بثقة ترامب الشخصية، وهو أقرب إليه من كيلوغ، حيث يتميز رجال الأعمال مثل ويتوف بنهجهم البراغماتي، فهم أقل اهتماماً بالقضايا التاريخية والمشاعر الوطنية، وأكثر ميلاً لإبرام صفقات قائمة على المصالح الاقتصادية."أفكار غير تقليدية" هذه المقاربة تتسق مع تفكير ترامب العملي، الذي سبق أن طرح أفكاراً غير تقليدية، مثل اقتراح إنشاء "ريفييرا" في قطاع غزة، رغم أن الفكرة تتناقض مع التطورات التاريخية للمنطقة.وعلى الرغم من أن ويتوف يشغل منصب الممثل الخاص لترامب في الشرق الأوسط، إلا أنه وسّع اهتمامه ليشمل روسيا بشكل متزايد، وفي حين تم تكليف نائبه مورغان أورتاغوس بمهمة التفاوض مع القادة في لبنان، فإن الشرق الأوسط ما يزال في دائرة اهتماماته، خصوصًا بعد الاتفاق الهش الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل و"حماس" بمشاركة منه، وهو ما قد يفرض عليه التوفيق بين عدة ملفات دولية.أما فيما يتعلق بالأميركيين المحتجزين في الخارج، فإن نهج ترامب يظل ثابتاً في هذا الملف، حيث يسعى إلى إعادتهم بغض النظر عن طبيعة القضايا التي يواجهونها، وإطلاق سراح مارك فوجل، أحد الأمثلة على ذلك، يعكس حرص ترامب على كسب تأييد ناخبيه الذين يفضلون التركيز على قضايا المواطنين الأميركيين بدلاً من القلق بشأن مصير المعارضين الأجانب.بالتالي، فإنّ موقفًا مشابهًا ظهر في عام 2019 عندما تدخل مستشار الأمن القومي المستقبلي لترامب، روبرت أوبراين، لإطلاق سراح مغني الراب الأميركي آيساب روكي من سجن سويدي، ورغم انتقادات وسائل الإعلام الأميركية لهذا التدخل، إلا أن أنصار ترامب رأوا في ذلك خطوة إيجابية، ما عزّز من مكانة أوبراين داخل الإدارة.في النهاية، تظل القرارات الإستراتيجية المتعلقة بأوكرانيا بيد ترامب، الذي يعتمد على مهام ويتوف وكيلوغ، إلى جانب عوامل أخرى، في رسم معالم السياسة الأميركية تجاه الأزمة الأوكرانية ككل، وبينما يلعب الوسطاء دوراً مهماً في التفاوض والتمهيد لاتفاقيات محتملة، تبقى الكلمة الأخيرة في يد صناع القرار السياسيين الذين يحددون الاتجاه النهائي للسياسة الأميركية في هذه المرحلة الحساسة.