في تصعيد غير مسبوق للمواجهة العسكريّة بين الجارتين اللدودتيْن، تضاربت باكستان وإيران بالتزامن مع المشهد الدامي المستمرّة فصوله في غزة، مع شدّ عصب التوترات بشكل حادّ في الشرق الأوسط وخارجه.القتال ليس مستجدًّا بين الدولتين، رغم أنّ قتال عدو واحد، البلوش، يجمعهما.. فما يفصل الجارتين حدود مضطربة لـ 900 كيلومتر، تتجاور عليها محافظة بلوشستان الباكستانية مع محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية. الشّرارة الأولى لهذه الحلقة الجديدة من أزمات إيران مع جيرانها، أتت من طهران، يوم 16 يناير 2023، حين شنت، في سابقة من نوعها، ضربات على إقليم بلوشستان الباكستاني، ادّعت أنها تستهدف "معاقل جماعة "جيش العدل" السنيّة المتشدّدة" حسب التصنيف الإيرانيّ. تبرير لم يقنع إسلام أباد التي وصفت الهجوم بالانتهاك الفاضح للقانون الدوليّ ولروح العلاقات البينيّة، ولم تكتف بالبيانات والدبلوماسيّة، بل طبّقت "العين بالعين والبادي أظلم"، لتردّ بعد ساعات بضربات عسكرية على مخابئ "للانفصاليين" في سيستان وبلوشستان. معلوم أنّ هذه الجماعة المسلّحة الناشطة على جانبي حدود البلدين، هدفها النهائي "استقلال محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية"، ووقعت على مدى سنوات اشتباكات مميتة على طول الحدود المضطربة.توسع الصراعوإذا كان هذا الأمر معتادًا، فإنّ من غير المعتاد استعداد كل جانب لضرب أهداف عابرة للحدود، فهل لحرب غزّة، الصّراع الإقليميّ الأكبر، ذي الأبعاد والاصطفافات العالميّة، دور في ذلك؟ في قراءة لمجريات الأحداث، نستشرف أنّ ذلك مؤكّد، بما شجّع إيران على تنفيذ خطوات استباقيّة في ملاحقة أهداف خارج الحدود، دون أن نغفل عن أنها وقبل 24 ساعة من العملية في باكستان، أطلقت صواريخ باليستيّة على العراق وسوريا بدعوى استهداف قاعدة للموساد وأخرى لداعش!!وبعد أن انتهكت طهران الحدود السّياديّة والأخلاقيّة والدبلوماسيّة لثلاثة من جيرانها في ثمان وأربعين ساعة، نصل إلى سؤال قد يكون جوابه معروفًا، وهو لماذا اختارت إيران أن تتصدّر الآن واجهة استعراض القوّة مستبعدةً خيار التخفّي وراء أذرعها كما جرت عادتها؟ فهل تحاول طهران فرض أجنحتها، علنًا، على شرق أوسط تمزّقه الصّراعات، لتستفيد من ضعفه وتملأ فراغ السلطة لتقول "أنا الزعيم"؟ اللعب على المكشوف يجري، ودول العالم تحاول منع انزلاق المنطقة برمّتها إلى صراع كبير! ومع الفعل وردّ الفعل الإيرانيّ الباكستانيّ، ورغم تحكيم اللسان الدبلوماسيّ بينهما، بالتلميح إلى عدم رغبة أيّ منهما بتصعيد الأمور، يجب ألّا ننسى أنّ باكستان المسلحة بالنوويّ، ذات أغلبية سنيّة المذهب، ستكون في مواجهة إيران، ذات أغلبيّة شيعيّة المذهب، المسلّحة بالطّموح النوويّ، كما يتهمها أعداؤها، وبأذرعها المسلّحة المنتشرة بهلال كمّاشة من إيران إلى العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن. أوضاعٌ قد تخرج عن السيطرة على الأرض ولن يعود باستطاعة أحد لجم زمام الأمور إذا ما فلتت أو فُلِّتت.