يُقاربُ أو يُقارن كثيرٌ من العرب وبعضُ السوريين بين مشهد سقوط تمثال صدام حسين في العراق عام 2003 ومشهد سقوط تماثيل حافظ وبشار الأسد في سوريا خلال الأيام الأخيرة، وذلك بالنظر لما رافق المشهدين من فراغ دستوريّ وتفكك للمؤسسة العسكرية وسيطرة جماعات أصولية في كلا التجربتين.فهل تصحُّ هذه المقاربة؟ وهل هناك احتمالية أن يتحسّر السوريون يوماً على زمن الأسدين الأب وابنه، كما حدث في الحالة العراقية من "ترحُّم" على صدّام نتيجة ما شهده العراق عقب سقوط نظام البعث العراقي من اقتتال طائفيٍّ وفساد حكوميٍّ وتبعيّةٍ لدولة إقليمية جارة؟للإجابة على أسئلة بهذه الخطورة والحساسية أرى أنه يتوجَّبُ على المتابع والمتخوّفِ أن يتساءل عن براءة كلا النظامين المخلوعين من التّبعات التي تلت سقوطهما، لجهة ما تركه أداء البعث من اصطفافات مذهبية ومجتمعية أولا، وثانيا لجهة المغامرات العسكرية التي خاضها نظام صدام مثلاً وتحديداً حين أقدم على غزو بلد عربي شقيق، تقابلها الحرب التي شنّها شقيقه البعث السوري على السوريين ووصايته قبل ذلك على جاره لبنان طيلة فترة وجوده في السلطة.أمّا ثالثا وهو الأهم في ميزان هذه المقارنة فهي السياسة القمعية الممعنة في الإقصاء والتي مارسها كلا النظامين في بغداد ودمشق والتي جعلت من أي تغيير نعيماً ونعمة إذا ما قيس أو قورن بجحيم الفساد والسجون والمعتقلات، حتى لو أدّى هذا التغيير إلى دخول البلاد نفقَ تفكك الجيش وترك البلاد نهباً لصراع المصالح الدولية، في منطقة قد تكون الأهم عالمياً لناحية الموقع الجيوسياسي، حيث النفط وطرق التجارة الدولية وختاماً جوارُ إسرائيل.إن انفجار الشعبين كان نتيجة حتمية لمقدّماتٍ زرعها صدّام وآل الأسد وحصدها العراقيون والسوريون دماءً وانهياراً في الاقتصاد والجيش والبنية المجتمعية. وبالتالي فإنّ العودة للتجربة ذاتها بالمواد ذاتها والمقادير لن يؤدي إلا إلى ذات النتائج، مع التنويه هنا بأن التجربة السورية تعتبر الأصعب نظراً لأن صدام مثلاً لم يستثمر في العقوبات ضد العراق ليجعل من شعبه في عوز مدقع كما فعل بشار الأسد، وهذا ما يفسر أن دمشق مازالت تعيشُ أفراحها في حالةٍ من اللاوزن بسبب صدمة الخلاص السريع وطول عهد القمع "الأبد" وحجمه الذي تكشّفت عنه معتقلات آل الأسد ومقابرهم الجماعية، لكنّ هذه الفرحة تمتزج بمخاوف مبررة ومنطقية من الغد وشكله، خصوصاً في بلدٍ شهد مأساة القرن وهو الوصف الذي أُطلق على معاناة السوريين ما بعد عام 2011. بالإضافة لخوفٍ وتساؤلٍ بخصوص هيئةِ ومنشأ القادمين "الحاكمين" الجدد، رغم كل ما أعلنه ويعلنه هؤلاء المنتصرون من رسائل تطمين دولي وتعايش داخلي منذ دخلوا دمشق فجر الثامن من ديسمبر الحالي.اليوم ثمة معسكرين لا ثالث لهما في سوريا، من يرى أنّ البوادر طيبة والبدايات مشجعة، والآخر الذي يخشى من سيناريو "تَمَسكن حتّى تمكّن" متّكئين على تجربة نظام الملالي الذي أظهر تسامحه مبشّراً وواعداً الإيرانيين بحريات كثيرة خلال الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام الشاه، وحين استتبَّ للوليّ الفقيه الأمر كشّرَ عن أنيابه المذهبية المتشددة التي أدخلت الإيرانيين في حقبة من الفقر والحروب وانعدام الحريّات حتى الآن.يملك السوريون من كلتا الضفتين ما يبرر أطروحاتهم ووجهات نظرهم، لكنّ ذلك لا يبرّرُ فوبيا النكوص التي يتنبّأ بها البعض، فكلُّ خيرٍ قد يأتي لن يكون إلا نتيجة تعافي السوريين والعراقيين أنفسهم من الخيارات السياسية القاتلة التي اتخذها من كان على الأمر في دمشق وبغداد في العقود الماضية، كما أن أي شرٍّ هو امتدادٌ لما تركه وأسس له بناةُ وعرّابو السجون والمقابر والديكتاتوريات المتوحشة وأصحاب الخيارات السياسية الفاشلة في كل من العراق وسوريا.