أصدرت المحكمة الابتدائية في تونس حكما بـ3 سنوات سجن مع النفاذ العاجل ضد كل من رئيس حركة النهضة "الإخوانجية" راشد الغنوشي وصهره رفيق عبد السلام (في حالة فرار خارج البلاد) في قضية تتعلق بتلقي تمويلات أجنبية خلال انتخابات 2019. كما أصدرت المحكمة حكمها بتغريم "حركة النهضة" في شخص ممثلها القانوني بمبلغ مليون و170 ألف دولار أو ما يعادلها بالدينار التونسي، وهو مبلغ يساوي مبلغ التمويل الأجنبي المذكور. وتعود أطوار هذه القضية إلى سنة 2020 حيث رصدت تقارير محكمة المحاسبات تمويلات مشبوهة وعقود لوبيينغ أمضاها عناصر من "حركة النهضة" مع شركات أجنبية بما يتنافى مع أحكام الفصل 163 من القانون الانتخابي الذي يجرم التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية.اعترافات مدوية وموثقة وإذ أخذت القضية حيزا زمنيا مطولا نسبيا قياسا إلى تشعب الأبحاث وتعقد مسارات تتبع حركة الأموال غير المشروعة من وإلى تونس، فإنها أفضت بعد تجميع الأدلة والبراهين إلى حقيقة وقوف الغنوشي والدائرة الضيقة من عائلته وأصهاره وراء معظم عمليات التدفق المشبوه للمال السياسي، ووراء التصرف في هذا المال للتمكين وشراء الذمم. والواقع أن الحكم الجزائي المذكور هو باكورة أحكام أخرى قد تصدر في الأشهر المقبلة في قضايا مماثلة تتعلق بالفساد وتبييض الأموال، كقضية جمعية "نماء الخيرية" وقضية شركة انستالينغو لصناعة المحتويات الرقمية وكلها قضايا تتصل بعمليات نشاط تمويهي لإخفاء عمليات جلب الأموال من الخارج أو تهريبها. وللذكر فإن اعترافات مدوية وموثقة بالتسجيل الصوتي قد صدرت عن قيادات في "حركة النهضة" كرجل الأعمال عادل الدعداع والأمين العام للحركة المودع بالسجن حاليا المنذر الونيسي. وتنص هذه الاعترافات على وقوف الغنوشي وابنه معاذ وأصهاره ومقربيه وراء عمليات جلب أموال من الخارج واستعمالها لشراء الولاءات واختراق المؤسسات وإبرام الصفقات السياسية وما إلى ذلك من أنشطة محظورة دأبت عليها الحركات "الإخوانية" منذ نشأتها. هذا وتواجه "حركة النهضة" في شخص شيخها وقياداتها إلى جانب القضايا ذات الطابع المالي قضايا أخرى أكثر خطورة على رأسها قضية التسفير وتصدير الإرهاب، وقضية التنظيم السري الذي يترأسه الغنوشي والذي لعب أدوارا تجسسية وعدوانية تستهدف مؤسسات الدولة والشخصيات السياسية، هذا إلى جانب أن أسماء قيادية على رأسها راشد الغنوشي مشمولة بالتتبع الجزائي في قضايا الاغتيالات السياسية كقضية شكري بعيد وقضية محمد البراهمي. وبتقدم مسارات التتبع والحسم القضائي في هذه الملفات الخطيرة، تتواتر الافتراضات حول مصير "حركة النهضة" "الإخوانية"، خصوصا وأنها أصبحت حزبا في وضعية لا تتناسب مع قوانين الدولة التونسية.صفحة جديدة في تونس ما الذي سيحصل بعد إغلاق مقرات الحركة احترازيا من طرف السلطات التونسية؟ ما الذي سيحصل بعد الأحكام الجزائية الصادرة ضد قياداتها؟ الأرجح أن هذا الحزب يسير نحو الحل بقرار قضائي بعد تورطه في أنشطة تقع تحت طائلة قانون الإرهاب وغسيل الأموال. والأرجح أيضا أن الحديث سيكون عن النهاية الهيكلية والتنظيمية بعدما كان منحصرا في النهاية السياسية. وهكذا تكون "حركة النهضة" أمام نهايات مشابهة لنهايات "إخوان مصر" والسودان والجزائر وإن اختلفت الظروف والسياقات والوسائل. إنها نهاية منطقية لجماعة خارج المنطق دخلت منطقة الدولة ذات شتاء تونسي حزين لتخرب دعائمها، وتثير الفتن والأحقاد بين أبنائها. اليوم وفي شهر فبراير الذي تستحضر فيه تونس ذاكرة الاغتيال الغادر لشكري بعيد سنة 2013, تبدو "حركة النهضة" على غير صورة التجبر والغرور الذي أبدته في سنوات حكمها، تبدو "حركة النهضة" الآن أمام ما يفترضه كشف الحساب من إذعان لمشيئة التاريخ الذي فرض كلمته يوم 25 من يوليو 2021، ومعه فتح ملف إنصاف المظلومين من أبناء البلد الذي اكتوى بنار الغدر والاغتيال السياسي، واكتوى بنار التفقير والبؤس وعاش لسنوات عجاف تحت حكم مبيضي الأموال ومافيا المال والسياسة. بدأت الأحكام تصدر تباعا ومعها طويت صفحة في تاريخ البلاد وبدأت صفحة جديدة.