عندما انطلقت فعاليات كأسَي إفريقيا وآسيا مؤخرا، اتجهت الأنظار إلى المنتخبات العربية المشاركة، التي اختلفت أهدافها وتباينت، بين السعي لتحقيق اللقب، عند منتخبات لها باعها الطويل في هذه المسابقات، والاكتفاء بمشاركة مشرفة، عند منتخبات أخرى، بالنظر إلى قلة خبرتها، أو الظروف السياسية التي أثرت على تطور كرة القدم فيها، و"قذفت" بها إلى آخر سلم الأولويات، لكن المتابع لكرة القدم اليوم، على الأقل فيما يخص المنتخبات (ما دام منطق الفرق والدوريات مختلفا إلى حد ما) سيرى أن الكثير من الفوارق قد تقلصت بين المنتخبات.لم يكن من الممكن تجاهل الوضع الكارثي في غزة، مع افتتاح بطولة كأس آسيا في قطر، التي شارك فيها المنتخب الفلسطيني، وتلقى تحية خاصة من الجميع، ويبدو أن كل ما يجري كان حافزا قويا له، فتمكن من تحقيق نتائج إيجابية، ساعدته على بلوغ دور ثمن النهائي لأول مرة في تاريخه، ما أدخل ذرة فرحة (على الأقل) في قلوب الكثيرين، وسط مشاهد الدمار والخراب التي سيطرت على كل الشاشات، لما يفوق المئة يوم حتى الآن. كذلك الشأن بالنسبة للمنتخب السوري، الذي يمثل بلدا لم يضمد بعد جراح الحرب الغائرة، لكنه استطاع أيضا تحقيق هذا الإنجاز لأول مرة في تاريخه. من جهته، لم يخيب المنتخب العراقي الظن، وهو الذي سبق له الفوز بكأس آسيا في عز الحرب التي مزقته لسنوات، وها هو ذا اليوم يتمكن من التغلب على المنتخب الياباني المعتاد لسنوات على التفوق على المنتخبات العربية، ويعبر بسهولة إلى الدور الموالي، معلنا عن نفسه منافسا قويا على اللقب من جديد.مناوشات كلاميةأما في كأس إفريقيا، ورغم أن الأمور ما زالت في بدايتها، فإن العديد من المؤشرات تثبت أنها ستكون إحدى أفضل دورات المسابقة على الإطلاق، فالمنافسة على أشدها، والتشويق حاضر حتى إطلاق الحكم صافرة النهاية، خاصة في المباريات المصيرية المؤهلة إلى الدور الموالي، فشاهدنا خروج الجزائر وتونس، المنتخبين المحترمين بماضيهما في البطولة، مقابل صعود موريتانيا لأول مرة في تاريخها، كما ساهم النظام الجديد المعتمد على صعود بعض المنتخبات التي حصلت على المرتبة الثالثة إلى الدور الموالي في تعقيد بعض الحسابات، التي جعلت جماهير ساحل العاج مثلا، تشجع المغرب لإنقاذها من الخروج المبكر لمنتخبها، رغم أنهما في مجموعتين مختلفتين ! أضف إلى ذلك أن كرة القدم قد تحولت إلى ساحة أخرى للمناوشات الكلامية بين المغرب والجزائر، فشنت بعض وسائل الإعلام الجزائرية هجوما عنيفا على المدرب المغربي بعد حادثته مع أحد لاعبي الكونغو الديمقراطية، الذي اتهمه بالعنصرية، وردت الجماهير المغربية بسخرية غير مسبوقة على إقصاء الجزائر بعد خسارتها أمام موريتانيا، رغم أن المنافسة لم تجمع بين المنتخبين في مجموعة واحدة. أمام كل هذه المشاهد، يتضح جليا مدى "سخافة" الدعوات لفصل كرة القدم عن السياسة، بعدما تحولت الملاعب ومدرجاتها الواقعية والافتراضية إلى حلبات صراع موازية، صار أقصى ما نتمناه الآن ألا يتجاوز حاجز ملاسنات مواقع التواصل، إلى ما لا تحمد عقباه. المفارقة هنا أن أول الداعين لهذا الفصل، كانوا أول من نبذوه، مع إصرار الدوريات الأوروبية الكبرى مثلا على إبراز الدعم الصريح لأوكرانيا، خصوصا خلال الأيام الأولى لحربها مع روسيا، وتجاهل فظائع غزة بالطبع، فيما يمكن اعتباره ازدواجية معايير أصابت الوعي الغربي بالعمى، وهو موضوع آخر اعتقدت أن الكتابة عن كرة القدم في هذا المقال ستبعدني عنه، لكن هيهات، ما دامت أنظار الجميع موجهة إلى كرة جلدية منفوخة، لتصفية حسابات سياسية!