تتواصل الحملة التي تشنها بعض الدوائر الغربية، وخصوصا في الإعلام الأميركي، ضد استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لقمة مؤتمر الأطراف (كوب 28)، المخصصة لتوحيد الجهود العالمية لتقليص انبعاثات الكربون، وتقييم التقدم المحرز في مكافحة التغيُّر المناخي.الإمارات والطاقة النظيفة حجج معارضي استضافة الإمارات للقمة متنوعة، وضعيفة، بل مبهمة. فالإمارات لا تتصدر قائمة الدول التي ينبعث منها الكربون، ولا هي في صفوف أكبر 5 دول مصدّرة للطاقة (من هذه الدول أميركا وكندا)، ولا هي تتصدر الدول في استهلاك "الطاقة القذرة"، مثل الفحم، بل أرقام استهلاك الإمارات للطاقة تظهر أن 60% من الاستهلاك الإماراتي هو من "الطاقة النظيفة"، أي الغاز، مع 36% من النفط، وواحد في المئة من "الطاقة المتجددة". ويمكن مقارنة هذه الأرقام الإماراتية بالاستهلاك الأميركي، الذي يتعادل ونظيره الإمارات في النفط، ولكن يتخلف عنه بفارق شاسع في الاعتماد على الغاز لإنتاج الطاقة إذ يبلغ 30%. والولايات المتحدة، التي تتصدر العالم في إنتاج واستهلاك الطاقة المتجددة بواقع 14% من إجمالي لاستهلاكها، فضلا عن 8% يستند إلى الطاقة النووية، لا تزال تلجأ إلى "الطاقة القذرة"، أي الفحم، لتلبية 10% من استهلاكها، وهي نسبة مرتفعة، خصوصا بالنظر إلى إجمالي حجم الانبعاثات الأميركية، الثانية في العالم بواقع 14% بعد الصين، الأولى، والتي تساهم في 30% من إجمالي الانبعاث الكربوني عالميا.كذلك تقوم الإمارات باستخدام تقنية امتصاص وتخزين 0.7% من إجمالي انبعاثاتها الكربونية، وتسعى لرفع هذه النسبة إلى 1.5%، في وقت يبلغ المعدل العالمي 0.45%.ضعف الأسباب الموجبة أو المقنعة التي يسوقها معارضو استضافة الإمارات للقمة يشي بأن لهؤلاء أهداف سياسية خفية، لا تتعلق بحرصهم على المناخ أو أساليب مكافحة تغيره، بل "لغاية في نفس يعقوب"، بحسب القول المأثور. من هؤلاء المغرضين، عضو مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي شلدون وايتهاوس، الذي نظّم توقيع عريضة، بالاشتراك مع بعض من زملائه في الكونغرس وفي برلمان الاتحاد الأوروبي، ووجهوها إلى الأمم المتحدة لإبداء معارضتهم لاستضافة الإمارات القمة.الولع الأميركي بالكلاب ووايتهاوس هذا يقف في صفوف الجناح المسمى "تقدمي"، أي أقصى اليسار، في الحزب الديمقراطي، وهو حامل لواء مكافحة التغير المناخي، ويقود سيارة كهربائية. لكن شعبوية وايتهاوس تظهر عند مطالعة الصورة العائلية التي يقدمها على موقعه، إذ تظهره برفقة كلب العائلة. والكلاب من الحيوانات الأليفة الأكثر شعبية بين الأميركيين. وتظهر الأرقام أن عدد البيوت الأميركية التي تأوي كلبا أو قطة ارتفعت من 50% إلى 66% مع انتشار جائحة كوفيد في العام 2020. ويبلغ عدد الكلاب والقطط الأليفة في البيوت الأميركية 135 مليونا، في وقت يقدّر إجمالي عدد الأميركيين بـ 334 مليونا، أي أن نسبة الحيوانات الأليفة في بيوت الأميركيين تبلغ 40% من إجمالي السكان في البلاد.وأجبر ولع الأميركيين بالكلاب الرئيس السابق باراك أوباما على اقتناء كلب إثر انتخابه للرئاسة في 2008، فيما شن الأميركيون من الحزبين حملة ضد خلفه دونالد ترامب بسبب عدم وجود كلب أثناء رئاسته في البيت الأبيض، وهو ما أجبر الرئيس الحالي جو بايدن على المسارعة لاقتناء كلب فور انتخابه رئيسا. لكن كلب بايدن تبيّن أنه ليس أليفا بما فيه الكفاية إذ قام على مدى السنوات الثلاثة الماضية بعضّ 11 من أفراد "الشرطة السرية" المولجة حماية الرئيس.الولع الأميركي بالكلاب والقطط يجعل السياسيين الشعبويين، من أمثال وايتهاوس، يشنون حملات "مناخية" ضد دول مثل الإمارات، من دون التلفت إلى الأثار البيئية الكارثية للحيوانات الأليفة في العالم، خصوصا في الولايات المتحدة، إذ يدرك الشعبويون من أمثال وايتهاوس أن دعوة الأميركيين إلى التخلي عن عادة اقتناء الكلاب، هو بمثابة الانتحار السياسي الذي قد يكلّفه مقعده في مجلس الشيوخ.الكلاب والقطط الأليفة، على ظرافتها وتأثيرها النفسي الإيجابي على أصحابها حسب ادعائهم، لا تأكل الخضار أو الفواكه، بل هي تأكل اللحوم فقط، وهو ما يجبر معدي وجبات أكل هذه الحيوانات الأليفة على تربية الماشية لتلبية حاجة الكلاب والقطط في البيوت. وتظهر الأرقام أنه لو كان لكلاب وقطط الولايات المتحدة دولتهم المستقلة، لحلّت هذه الدولة الخامسة في الترتيب العالمي في استهلاك لحم البقر، وهو ما يعني أن تأمين الطعام لحيوانات أميركا الأليفة يوازي الانبعثات الكربونية لقيادة 14 مليون سيارة سنويا، وهو رقم هائل. هذا عن الطعام.وحوش مناخيةأما لو أضفنا الكربون الصادر عن عملية تنفس كلاب وقطط أميركا، وأضفنا إليها غازات الميثاين الصادرة عن عملية الخروج، والأكياس البلاستيكية التي يستهلكها أصحاب الكلاب يوميا للتنظيف بعد كلابهم، لتحولت هذه الحيوانات الأليفة الظريفة إلى وحوش مناخية.لن نسمع وايتهاوس ولا المغرضين ممن يشنون حملة ضد استضافة الإمارات للقمة المناخية، يحذرون العالم من آثار الكلاب والقطط السلبية على المناخ، بل هم سيتغاضون عن هذه المشكلة لأنها مكلفة لهم سياسيا، وسيرمون الآخرين بسهامهم لأنها تظهرهم بمثابة أبطال المناخ، وتكسبهم رصيدا شعبيا، وتزيد من أمية أنصارهم وأمية الرأي العام الأميركي والعالمي.مكافحة التغيير المناخي قضية تطال العرق البشري بأكمله، والتعامل معها يتطلب أوسع نقاش ممكن بين كل البشر، من حكومات وشركات وناشطين ومواطنين عاديين، وتحديد الأولويات، لا رمي الآخرين باتهامات مضللة والتغاضي عن الممارسات الشخصية المؤذية للمناخ. لكلّ منا انبعاثات كربونية في حياتنا اليومية، وتقليصها يتطلب الصراحة، ونشر الوعي، والحوار الهادئ، لا البطولات السياسية الوهمية لكسب شعبية أمام المناصرين، والداعمين، والجهات المغرضة.