هل يمكن وصف سياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه سوريا بسياسة العصا والجزرة؟ وهل تستطيع الحكومة السورية تلبية الشروط الأميركية؟ وخصوصا إذا كانت هذه الشروط مغلفة بالتخلي عن الجولان السوري المحتل، وضم سوريا للاتفاقيات الإبراهمية، كما يقول مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.أميركا تقف إلى جانب الأقليات الدينيةوالسؤال الآن: هل ستكون مكافأة الرئيس أحمد الشرع برفع العقوبات عن سوريا بشكل كامل، أم ستكون بممارسة مزيد من الضغوط على سورية باعتبار أن من يحكم دمشق اليوم له ماضٍ جهادي كما تقول أطراف عدة في أميركا كتولسي غاربارد رئيسة الاستخبارات الأميركية الحالية، ومسؤول مكافحة الإرهاب في أميركا سيباستيان جوركا الذي يرى أن "مستقبل سوريا لا يزال غير معروف، وأن لا أحد يعلم ما سيحدث في سوريا، وأن من أطاح بنظام الأسد ويدير البلاد الآن تربطه علاقات تاريخية عميقة بالمتطرفين"، ويوضح أن "الأمر مثير للقلق خصوصا أن الإعلان الدستوري الحالي ينص على أن الشريعة الإسلامية أصبحت مصدر القانون في الدولة التي تضم الأكراد والمسيحيين والعلويين والدروز"، ويقول "هي ليست دولة سنية خالصة بأية حال من الأحوال، لذا فإن القرار لا يزال معلقاً في شأن الشرع". هنا لا بد من التوقف عند تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بشأن أحداث الساحل السوري الذي قال إن الولايات المتحدة تدين "الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قتلوا الناس في غرب سوريا"، مشدداً على أن "الولايات المتحدة تقف إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وأسرهم" مشدداً على ضرورة محاسبة المجرمين. وانطلاقاً من هذه المواقف المتعددة للمسؤولين الأميركيين رفيعي المستوى يراهن البعض على انقسام في الموقف الأميركي من سوريا لكن هذا الاحتمال قد يكون بعيداً عن الواقع والدليل هو قائمة المطالب التي قدمتها ناتاشا فرانشيسكي نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون سوريا وبلاد الشام لوزير الخارجية السورية أسعد الشيباني في اجتماع خاص على هامش مؤتمر المانحين في بروكسل في 18 مارس يوضح حقيقة الموقف الأميركي الذي يتمثل بحل مشكلة المقاتلين الأجانب وعدم توليهم مناصب قيادية في الإدارة الحاكمة في سوريا، كما تتضمن اللائحة الأميركية تدمير ما تبقى من أسلحة كيماوية، والتعاون في مكافحة الإرهاب"داعش" ومن ضمن الشروط الأميركية أيضا، تعيين منسق اتصال لدعم الجهود الأميركية للعثور على أوستن تايس، الصحفي الأميركي الذي فُقد في سوريا منذ ما يزيد على 10 سنوات، إضافة إلى ما قاله ستيف ويتكوف من أنه يمكن للحكومة السورية الجديدة الانضمام للاتفاق الإبراهمي، وبرأي هذا هو الشرط الأهم والأصعب الذي لم يُعلن عنه ضمن القائمة.العقوبات الأميركية على سوريايرى بعضهم أن مسارعة وزارة الخارجية الأميركية إلى تخفيض تصنيف العاملين في البعثة الدبلوماسية السورية في الأمم المتحدة من G1 إلى G3 هي رسالة واضحة إلى دمشق بأن واشنطن لا تعترف بالحكومة الحالية كما أن تحذير مواطنيها من السفر إلى سوريا بحجة إمكانية وقوع هجمات إرهابية خلال عطلة عيد الفطر قد تستهدف سفارات ومنظمات دولية ومؤسسات عامة في البلاد، نوع من الضغوط المتلاحقة على سوريا كون الحكومة السورية لم تسارع في الرد على الطلبات الأميركية، حتى أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس قالت إن "واشنطن تراقب تصرفات الحكام المؤقتين في سوريا". وربما هذا ما دعا كل من الرئيس الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني للقول إن من الظلم الإبقاء على العقوبات سارية بعد الإطاحة بنظام الأسد، مطالبين بإلغاء العقوبات كافة على سوريا، سواء كانت أميركية أو أوروبية، ومن دون شروط مسبقة، بما فيها قانون قيصر . وهنا لابد من الإشارة إلى أن "العقوبات الأميركية تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وهي متنوعة ومعقدة ويتطلب إلغاؤها موافقة الأغلبية في الكونغرس ومجلس الشيوخ، ما يعني أنها قد تأخذ سنوات وربما أكثر!"وبالتالي قد تلجأ واشنطن لسياسة (الإعفاءات) من طرف الرئيس، لأنه من صلاحيات الرئيس الأميركي إعطاء إعفاءات مؤقتة ضمن القوانين التي أصدرها الكونغرس. ما يمكن قوله في النهاية إن "رد الحكومة السورية على قائمة الشروط الأميركية التي وضعتها واشنطن لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، هو الخطوة الأولى التي قد تضع الولايات في محك المصداقية خصوصا أن الرد جاء قبيل زيارة مرتقبة لوفد سوري رفيع إلى العاصمة الأميركية الأسبوع المقبل".