لم تُعطَ المواجهة بين إسرائيل و"حزب الله" منذ 8 أكتوبر الفائت، أي في اليوم التالي لبدء عملية "طوفان الأقصى"، "اسمًا عسكريًا"، ربما لأن هذه المواجهة لم تأخذ منحى واحدًا بل تعرجت بين قصف متبادل وغارات متبادلة، إلى أن استقرت على نوع واحد من العمليات العسكرية وهو "حرب الاغتيالات" التي بدا أن إسرائيل أعدّت لها جيدًا، فكان لها "بنك أهداف"، ولم تخطئ كثيرًا في "اصطياد" أهدافها، مما طرح أكثر من علامة استفهام حول جهوزية الحزب في "النطاق الاستخباراتي" على مدى 17 عامًا بين انتهاء حرب يوليو في أغسطس 2006 وبدء حرب "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023. لم يكن اختيار الأهداف في "بنك الأهداف" عشوائيًا، بل تضمن قياديين عسكريين في الميدان، وخبراء عسكريين في غرف العمليات وأدمغة في علوم الكومبيوتر والاتصالات، وحتى أرقام هواتف المسؤولين، الثابت منها والخليوي. هذه الأهداف، وخصوصا البشرية منها، سددت ضربةً موجعةً للحزب؛ لأنها طالت مسؤولين شكّل اغتيالهم خسارة لا تعوّض في المدى المنظور، فكل واحد من هؤلاء استغرق تدريبه سنوات، كما أن تراكم خبرته يقاس بالسنوات.اغتيال أشخاص لا يعوضون فإسرائيل اغتالت أشخاصا لا يعوضون، من حيث أدوارهم وخبراتهم، في الشقين العسكري والتكنولوجي. في رأس لائحة الأهداف التي لا تعوّض القيادي الميداني وسام الطويل، أهمية هذا الشخص الرابط العائلي مع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله باعتبار أن الطويل شقيق زوجة نصرالله، وحين تحدث الأخير عن أن القرار للقادة الميدانيين، فهو كان يقصده. الخطورة التي تم فيها اغتيال الطويل هي صعوبتها، فالطويل لم يكن يستخدم هاتفًا خلويًا، ليسهل تعقبه، ما يعني أن التعقب تمّ بشريًا.والشخصية الثانية التي لا تقل أهمية عن وسام الطويل، هي مهندس الاتصالات والكومبيوتر علي حدرج الذي شكّل "ضابط ارتباط تكنولوجي" بين "حزب الله" وحركة "حماس" سواء في لبنان أم في غزة.وقد شكّل تنسيقه بين الطرفين عامل قوة لهما، ما دفع إسرائيل إلى التسريع في عملية اغتياله لأنه شكّل "عامل إزعاج وإضرار" لها.ومن الأهداف التي نجحت إسرائيل في اصطيادها نجل رئيس كتلة نواب "حزب الله" محمد رعد، الذي اغتيل مع مجموعة من رفاقه في أحد المنازل، وهو كان مسؤولًا في "قوات الرضوان"، وهي فرقة النخبة التي أجرت مناورة عسكرية قبل شهرين من عملية "طوفان الأقصى"، ووضعت المناورة تحت مسمى "سنعبر"، في تلميح إلى أنها ستعبر الجنوب إلى شمال إسرائيل.من عوامل نجاح هذه العمليات أن إسرائيل واظبت منذ ما بعد حرب يوليو 2006، على إجراء مسح شامل لمنطقة عمليات قوات الطوارئ الدولية المنتشرة وفق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، مستخدمة في ذلك كل قدراتها التكنولوجية المتقدمة، سواء بالنسبة إلى المسيّرات أم بالنسبة إلى ابتكاراتها في مجال برامج تعقب الاتصالات، وهذه التكنولوجيا المتقدمة لدى إسرائيل هي واحدة من الوسائل التي استخدمتها إسرائيل في تعقب القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري واغتياله في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.حرب غير متكافئةبالإضافة إلى التكنولوجيا، جندت إسرائيل شبكة جواسيس ومخبرين أذهلت الحزب."حرب الاغتيالات المتقدمة" وضعت "حزب الله" أمام تحدٍّ كبير، خصوصًا أنه لم ينجح في الرد على هذه الاغتيالات بمثلها، بل اقتصرت ردوده على استهداف مقرات عسكرية، ما جعل هذه الحرب غير متكافئة.خارج جغرافيا جنوب لبنان، لإسرائيل باع طويلة في الاغتيالات، وصلت إلى كوالالمبور، العاصمة الماليزية، باغتيالها المهندس الفلسطيني فادي الطبش، صاحب ابتكارات متقدمة في مجال المسيّرات. وأبرز الاغتيالات أيضًا، اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري، الذي لُقّب بـ"طيار حماس"، نظراً لدوره في تصنيع المسيّرات لمصلحة حركة "حماس".اغتيال الزواري في تونس، حيث قطعت فرقة الكوماندوز الإسرائيلي آلاف الأميال، ذكّرت بعملية اغتيال الرجل الثاني في حركة فتح "أبو جهاد" (خليل الوزير)، في تونس، بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.هكذا تقابل إسرائيل "وحدة الساحات" بـ"وحدة الاغتيالات"، وهو الأسلوب الذي تفوقت فيه إسرائيل على منظمة التحرير، ولاحقًا على "حزب الله".