بناء على الأمر الرئاسي المؤرخ في 2 يوليو 2024 المتعلق بدعوة الناخبين إلى الاقتراع يوم السادس من أكتوبر المقبل لاختيار رئيس للجمهورية التونسية، أصدرت الهيئة العليا للانتخابات الأمر الترتيبيّ الخاص بشروط وإجراءات الترشح وآجاله وبالرزنامة التفصيلية لكل مراحل العملية الانتخابية.احترام إرادة التونسيين ومن المقرر أن تكون فترة تقديم الترشحات من 29 يوليو الى 6 أغسطس على أن تنطلق الحملة الانتخابية يوم 14 سبتمبر وتتواصل إلى حدود 4 أكتوبر، على أن يجرى الاقتراع في الداخل في 6 أكتوبر وفي الخارج يومي 4 و5 أكتوبر ويكون الأجل الأقصى لإعلان النتائج النهائية للدور الأول بعد البتّ في الطعونات هو 9 نوفمبر 2024. والجدير بالذكر هو أن الرئيس قيس سعيّد بإعلانه عن الموعد النهائي لرئاسيات 2024 قد أنهى جدلاً استمر لأشهر في الأوساط السياسية بين مشكك في خوض الانتخابات أصلاً هذه السنة، وبين مؤكد أنه على الرغم من وقوع هذا الاستحقاق في حيز مرحلة انتقالية بين نظامين سياسيين فإنّ احترام المواعيد واحترام إرادة المواطنين هو من الثوابت الجوهرية لسلطات 25 يوليو. والحقيقة أن العمل كان دؤوباً على مستوى هيئة الانتخابات لتفادي أيّ إشكال ينتج عن هذه الوضعية الانتقالية حيث احتوى الأمر الترتيبي لهذه الانتخابات على ملاءمة بين القانون الانتخابي لسنة 2014 وبين التنصيصات التي أضافها دستور 2022 الأعلى مرتبة في الهرم القانوني، والمتعلقة بتغيير شرط سن المترشح للرئاسية من 35 إلى 40 عامًا، وبإقرار شرط الجنسية التونسية دون سواها أي منع مزدوجي الجنسية من الترشح، هذا إضافة إلى الشرط المتعارف حول الحقوق المدنية والسياسية أي أن يكون السجل العدليّ للمترشح خاليا من الموانع القانونية والأحكام المترتب عنها حرمانه من حق الترشح. وبهذا تكون تونس قد مرت من مرحلة تثبيت المواعيد والاجراءات إلى مرحلة انطلاق أحد أهم الاستحقاقات المصيرية في تاريخ البلاد كونه سيضع المواطنين أصحاب الكلمة الفصل أمام مسؤولية اختيار حاسمة ستحدد مضمون وشكل وملامح المستقبل السياسي لتونس."لا عودة إلى الوراء"والواضح هنا أنّ الاصطفاف سيتحدد وفق معايير لا تقبل التجزئة ولا الحلول الوسطى، باعتبار المجريات المتسارعة للأعوام الاخيرة التي شهدت معركة مفتوحة بين شرعية الإنقاذ الوطني لمنظومة 25 يوليو وبين محاولات مختلفة لشبكة من القوى المغادرة للمشهد أيّ "الإخوان" والأحزاب المتحاصصة معهم خلال العشرية السوداء، وإذ صدرت أصلاً بعض نوايا الترشح من الداخل والخارج سواء من أحزاب منبثقة عن "الإخوان" كحزب "العمل والإنجاز" المتمثل في شخص عبد اللطيف المكي وزير الصحة السابق، أو من شخصيات سبق وأن تحملت مسؤوليات في الدولة في فترة حكم بن علي كالمنذر الزنايدي، وبالتالي فإن تشابه السياقات ونوعية الخطاب يجعل كل هؤلاء في تقاطع وتشابك بهدف وحيد هو إحياء الزمن السياسي الآفل دفاعًا عن نظام محاصصيّ تحت ستار التوافق الديمقراطي الذي كشف التونسيون مدى سطحيته وفشله طيلة عقد من الزمن. وإذا كان المنطق وأخلاقيات العمل السياسي يفرضان احترام حق كل مترشح في التعبير عن رأيه، فإن ما تعيشه تونس حاليًا من تمظهرات فك الارتباط بين زمنين ومرحلتين يعطي للتنافس صبغة حاسمة يمكن أن نلمحها في سعي كل معسكر إلى كشف أوراقه دون مواربة؛ فمقابل شعار معسكر 25 يوليو "لا عودة إلى الوراء" يبدو شعار معارضيه كما لوكان تجميعًا اعتباطيًا لكل من يناهض المسار ويحنّ إلى الماضي، حيث يلتقي فرقاء الإيديولوجيا والقناعات على مقولة "عدو عدوي صديقي "أسوة بتقاليد سياسية قامت عليها موجة ما عرف حينها باسم "الربيع العربي" لكنها لم تورث دولها إلا حصيلة من البؤس، والتنمية الرثة، والانحدار الثقافي، والقيمي. يوم 6 أكتوبر 2024٫ ستكون الكلمة للمواطنين دون سواهم؛ سيكون للتونسيين حق التأشير الشعبي على ورقة العبور إلى المستقبل بقرار حر، ووسط تطلعات عامة بأن تمرّ هذه الانتخابات في أقصى ظروف الشفافية والنزاهة، تبدو تونس في وارد الانتقال إلى ما بعد تثبيت المؤسسات السياسية، إذ ما يزال أمامها الكثير على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي حتى تصل إلى الدرجة المطلوبة من الاستجابة لتطلعات مواطنيها.