حُسم الأمر وما توقعه العديد من المراقبين وتخوف منه الكثيرون أصبح أمراً واقعاً لا مفر منه، الرئيسان الديمقراطي الحالي جو بايدن وسلفه الجمهوري دونالد ترامب يتوجهان بخطى ثابتة للتنافس مرة جديدة في الخريف المقبل على سدة الرئاسة الأميركية. فقد أظهرت نتائج الانتخابات الحزبية التمهيدية الأخيرة أن بايدن استطاع أن يتسيّد ومن دون جهد ترشح الحزب الديمقراطي. هذا فيما نجح الرئيس ترامب في أن يفرض نفسه مرشحاً وحيداً عن الحزب الجمهوري وذلك بعد إقصائه الحاسم لمنافسيه والتي كانت آخرهم سفيرته إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي."خصمان لدودان"لا يخفى على أحد أن هذه المواجهة بين بايدن وترامب هي غير عادية بكل المقاييس، كما أنها لا تشبه أبداً غيرها من المواجهات الانتخابية السابقة. فلا أحد ينسى كيف انتهت الجولة الأخيرة بين الرئيسين اللدوديين، وما تلاها من أحداث مؤسفة، لعل أبرزها عملية اقتحام الكابيتول ومقاطعة الرئيس ترامب لحفل تنصيب الرئيس بايدن في 20 من يناير من العام 2021. وعليه يقول البعض إن الولايات المتحدة تتوجه اليوم نحو مواجهة نارية بكل معنى الكلمة، تعبق برائحة الثأر والانتقام بين "خصمين لدودين" إن لم نقل"عدوين"، ومن المرجح أن تبلغ حرارتها الدرجات القصوى وأن تتخطى شراراتها بكل تأكيد الحدود الأميركية.تاريخياً لم تحظَ الانتخابات الأميركية بهذا القدر من الاهتمام العالمي الذي تشهده اليوم، فهي لطالما كانت مسألة داخلية بحتة تُحركها وتتحكم بها القضايا الداخلية. أما اليوم فأقل ما يقال عن مواجهة بايدن وترامب إنها عابرة للحدود، وإن الاصطفاف فيها هو عالمي بامتياز. فبعد ثماني سنوات من حكم الأضداد "بايدن وترامب" والتباين الكبير بينهما، نستطيع أن نلاحظ اليوم أن الانقسام العمودي الحاد حولهما في الداخل، قد تحول لظاهرة عالمية واضحة المعالم شطرت العالم إلى قسمين واحد مؤيد لترامب وآخر مؤيد لبايدن.العديد من حلفاء الولايات المتحدة كما الكثير من أعدائها تبدو مواقفهم واضحة من هذه المواجهة المرتقبة. فمثلاً أوكرانيا ممثلة برئيسها فولودمير زيلينيسكي تميل بوضوح نحو بايدن وتتخوف من عودة ترامب إلى الرئاسة مرة جديدة، خصوصا بعد تصريح الأخير بأنه قادر على إنهاء الحرب خلال 24 ساعة وقوله لفيكتور أوربان رئيس وزراء المجر إنه لن يعطي فلساً واحداً لتمويل الحرب بين روسيا وأوكرانيا.وفي نفس الإطار تتمنى الدول الأوروبية الكبرى كفرنسا وألمانيا بقاء الرئيس بايدن في منصبه وذلك بعد تجربتها الجافة مع ترامب خلال ولايته الأولى. في المقابل فإن روسيا الغريم الرئيسي للولايات المتحدة تميل بوضوح نحو الرئيس ترامب وذلك على الرغم من إعلان الرئيس فلاديمير بوتين أنه يفضل الرئيس بايدن "الذي يمكن توقع تصرفاته".أما فيما يخص حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة في دول الخليج، فالموقف غير واضح تماماً ويحوم حوله ألف سؤال وسؤال، خصوصا وأن العلاقات بين واشنطن والعواصم الخليجية لم تكن في أفضل أحوالها في الأعوام الماضية خلال فترة الرئيس بايدن. فعملياً يمكن القول إن القادة في دول الخليج الذين عانوا الأمرين من تباينات ترامب وبايدن تعلموا الدرس من الأعوام الماضية وهم يحاولون اليوم أن ينأوا بأنفسهم عن هذه المواجهة والابتعاد عنها قدر المستطاع.من هو حليف الشارع الخليجي؟طبعاً هذا الأمر مختلف تماماً في الشارع الخليجي، حيث يمكن أن نلمس وبسهولة الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها دونالد ترامب على حساب جو بايدن. لكن اللافت في هذا الشيء أن تفضيل المواطن الخليجي لترامب على حساب بايدن ليس مرتبطاً كثيراً باقتناعه بالمرشح الجمهوري بقدر ما هو مبني على الحساسية المفرطة تجاه المرشح الديمقراطي الذي لا يتمتع بشعبية تذكر في الخليج. مع العلم أن تراجع شعبية بايدن في الخليج ليست مرتبطة فقط بسياساته السابقة ومواقفه من دول المنطقة، بل هي مرتبطة أيضاً وبشكل أساسي بما يجري في غزة باعتباره وبحسب الشارع الخليجي مسؤولاً وشريكاً عما يجري هناك وعن استمرار الحرب حتى يومنا هذا.وفي ظل عدم وضوح الموقف الخليجي الرسمي من هذا الموضوع تكاثرت التساؤلات والشائعات حول السؤال المحوري التالي: بايدن أم ترامب، من يُفضل الحُلفاء في دول الخليج؟ فمثلاً هناك انطباع خاطئ اليوم يعتقد بأن القادة الخليجيين يميلون وبشكل كبير إلى الرئيس السابق دونالد ترامب على حساب الرئيس الحالي جو بايدن. وللصراحة هذا الأمر قد يكون فيه بعض أو الكثير من الحقيقة لو أخذ بمقياس عاطفي بحت، خصوصا وأن الرئيس الحالي لم يُظهر الكثير من المودة للدول الخليجية خلال الفترة الأولى من ولايته. لكن عملياً وعلى أرض الواقع تبدو الأمور مغايرة تماماً، فاليوم لم يعد الأمر يتعلق لا ببايدن ولا بترامب، ولا بمن سيأتي لاحقاً، كما صرح الدكتور أنور قرقاش، مستشار رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد لصحيفة نيويورك تايمز في أغسطس 2023.وبالتالي وللإجابة عن هذا السؤال، نقول إن المرشح المفضل لدول الخليج في هذه الانتخابات التي تحمل رقم 60 في تاريخ الولايات المتحدة أو في غيرها من الانتخابات اللاحقة: هو المرشح الذي يؤمن أولاً بالشراكة والصداقة الحقيقية بين واشنطن والعواصم الخليجية ويعمل بجد على صيانتهما وتطويرهما. هو المرشح الذي لن يساوم على أمن دول الخليج ولا على العلاقات الإستراتيجية بينهما. هو المرشح الذي سيمد يده الصادقة للحلفاء والأصدقاء في دول الخليج ويساعدهم في طريقهم الطموح نحو المستقبل. هو المرشح الذي سيحترم شعوب الخليج وثقافاتها، ويقدر مجتمعاتها كما هي ولا يحاول تغييرها.لذلك أعتقد أن السؤال الأهم اليوم في سياقنا هذا هو ليس من تُفضل دول الخليج لكرسي البيت الأبيض، بل من هو المرشح الأميركي الذي يحمل كل هذه المواصفات الخليجية؟