مع اقتراب إعلان الهيئة المستقلة للانتخابات عن القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، تتواتر المنعرجات التي رفعت حرارة الرهان المصيري ليوم السادس من أكتوبر 2024.فقد أعلنت المحكمة الإدارية أحكامها الباتة بقبول ثلاثة طعون وإعادة ثلاثة مترشحين للتنافس الانتخابي. وبتفصيل بسيط للعناصر الثلاثة المعنية، نجد اثنين منتميين إلى منظومة حكم "الإخوان" هما عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي، وواحدا منتميا إلى منظومة حكم الدستوريين هو منذر الزنايدي، بما يوحي مبدئيا بوجود الأزمنة الثلاثة، زمن الدساترة وزمن "الإخوان" وزمن 25 يوليو داخل دائرة التنافس على حكم تونس.. والقول بالإيحاء المبدئي يأخذ بعين الاعتبار الكلمة الأخيرة لهيئة الانتخابات التي ستعلم قريبا عن قرارها بخصوص القائمة النهائية للمترشحين. فمن حيث الوضعية القانونية، تعتبر أحكام المحكمة الإدارية في مادة الطعون الانتخابية واجبة التنفيذ، غير أن هيئة الانتخابات ذات المسؤولية الأولى عن الإعلان النهائي صرحت بما يفيد أنها ستأخذ بعين الاعتبار قرار المحكمة الإدارية كما ستأخذ بعين الاعتبار الأحكام الجزائية، وهذا ما فهم منه البعض مؤشرا للدخول في إشكالية تنازع اختصاص بين القضاء الإداري والقضاء العدلي، قد تدخل الانتخابات إلى منعرج آخر.جدل لا ينتهيفعلى سبيل المثال لا الحصر، حكم القضاء العدلي في طور ابتدائي بثمانية أشهر سجنا وبمنع الترشح مدى الحياة ضد المترشح عبد اللطيف المكي، لكن القضاء الإداري أعاده للسباق بعد قبول طعنه في إجراءات هيئة الانتخابات. فأي الأحكام سيقع إنفاذها؟ المسألة ستدخل هنا في جدل لا ينتهي رغم أن القانون يتيح لمن لم تصدر ضدهم أحكام نهائية باتة تحرمهم من الحقوق المدنية والسياسية إمكانية الترشح. لقد استحوذت هذه المسألة على فضاء النقاش العام في الأيام الأخيرة وهي لا تخلو من الأهمية، غير أن الأهم منها هو استجلاء ما وراء حرارة الأجواء الانتخابية في هذه الأمتار الأخيرة قبل القرار المصيري للشعب التونسي: أولا يمكن القول إن السلطة السياسية في تونس أوضحت أنها لا تتدخل في سير المؤسسة القضائية وبالتالي حرمت تحالف المنظومة السابقة من ورقة المظلومية والتعلل بالتضييقات وما إلى ذلك من ادعاءات بأن السلطة تضع يدها على القضاء. ثانيا أوضحت الوقائع البينة والثابتة بالتصريحات أن كل العناصر المترشحة عدا الرئيس قيس سعيد أبانت عن رغبتها في عدم مواصلة العمل بالصيغ الدستورية والمؤسساتية التي رسختها منظومة 25 يوليو، والحديث يشمل حتى من كان في وقت قريب مساند للمسار وهو مرشح حركة الشعب زهير المغزاوي. هذا يعني أن كل المترشحين يتقاطعون في مناهضة مترشح واحد هو الرئيس قيس سعيد الذي ظل ثابتا على القطع مع الإرث الكارثي لنظام حكم "الإخوان". ثالثا أن ما تقدمه لنا قائمة الاختبارات في انتظار اتضاحها بالكامل، يقول بوضوح إن التونسي لن يذهب يوم السادس من أكتوبر لانتخاب أشخاص بل سيذهب لاختيار منظومات. فالمعركة تتجاوز الذاتي إلى الموضوعي وتتجاوز التفصيلي إلى الجوهري لأن مدار الرهان يدخل في باب الإستراتيجي بامتياز. إنها لحظات مليئة بما يحفز الجميع على تفادي الوقوف على الربوة، وبالتالي التموقع بشجاعة في قلب الصراع لأن ما يحصل الآن سيحدد ملامح الغد. وحين يجتمع أفرقاء الدهر على رجل واحد ندرك بسهولة أن إغراءات التحاصص البغيض لمنظومة "الإخوان" قد حجبت النور عن أعين من تغنوا بالحقوقية والتقدمية والحداثة حتى سقطوا في براثن أعتى قوى الظلام. وأيا كانت وتيرة الأحداث، فإن شيئا من تلك الهبة الشعبية التي توجها إعلان الرئيس قيس سعيد عن القرارات التاريخية لـ25 يوليو2021، سيتمظهر الآن وهنا لتحديد التأكيد على أن نظام الاستغلال والجشع والاغتيال قد أصبح من الماضي وأن القادم سيكون بحجم ما سطره الشعب التونسي من ملاحم وطنية خالدة.