ربما مر موسمه الأول مرور الكرام، لكن موسمه الثاني، الذي صدر قبل فترة قصيرة، بالتزامن مع تدحرج كرة ثلج الأحداث في المنطقة، أثبت نجاحه وخصوصيته. الكوميدي الساخرإنه مسلسل "Mo"، الذي تعرضه شبكة نتفلكس، ويسلط الضوء على تجربة اللاجئين الفلسطينيين في الولايات المتحدة، وبأسلوب غير تقليدي، يتجاوز البكائيات والمباشرة الفجة، ليعتمد على خليط من الكوميديا السوداء والدراما الاجتماعية، ويقدّم قصة إنسانية عميقة، تعكس صراعات الهوية والانتماء، وتختزن في ثناياها رسائل مبطّنة، تتناول الواقع المعقّد للاجئ الفلسطيني عمومًا، في ظل سياقٍ يشهد تغيرات كبرى في صناعة المحتوى؛ أصبح الجمهور العالمي من خلالها أكثر استعدادًا لمشاهدة قصص تحمل تجارب ثقافية متنوعة، وتطرح قضايا إنسانية تلامس هموما مشتركة في كل مكان. ينطلق المسلسل من محورين رئيسيين، هما معاناة عائلة فلسطينية تسعى إلى الاستقرار والحصول على أوراق الإقامة في الولايات المتحدة، ثم جملة التحديات التي تواجه البطل محمد النجار أو "مو" في تسوية وضعه والتأقلم مع المجتمع الأميركي بمختلف أوجهه، وسط تهديدات ضياع الهوية والانتماء (خلافه الدائم مع حبيبته ماريا المكسيكية المسيحية وضرورة اعتناقها الإسلام قبل الزواج على سبيل المثال).تظهر المعاناة هنا بأسلوب يتراوح بين الكوميدي الساخر تارةً، والحزين تارةً أخرى، إذ يجد المشاهد نفسه (في حلقات قصيرة لا تتجاوز حاجز 30 دقيقة) أمام مواقف متعددة، تتقاطع فيها أسئلة الهوية بالواقع الأميركي المعاش: هل يمكن لشخص عاش طفولته في مخيمات اللجوء أن ينسى جذوره، أم سيظل حاملا همّ القضية وما يصاحبها من تهجير وظلم تاريخي؟ تعتمد الكوميديا السوداء على تقنية المزج بين السخرية والعبث لتناول موضوعاتٍ بالغة الجدية والحساسية. فيشعر المشاهد أن الضحك نابع من قلب المعاناة؛ مع تحويل المواقف المؤلمة إلى مشاهد هزلية، تلامس الجرح الإنساني وتعيد التذكير بأصل المشكلة.العائلة الفلسطينيةفي هذا السياق، يستند مسلسل "Mo" إلى فكرة تكرار المأساة لتتحول بمرور الوقت إلى مدعاة للسخرية، فكل المشاكل التي يعانها البطل مرتبطة أساسا بعجزه عن تسوية وضعه القانوني كلاجئ، مما يضطره للعمل في وظائف مؤقتة، بعضها غير قانوني، ما يوقعه في سلسلة مشاكل متتالية، قد تصل أحيانا إلى التهديد بالقتل، لكن بطريقة طريفة، فتعلو الضحكات الموازية لمرارة الحقيقة، وبذلك يبث المسلسل رسائل واقعية (لا تخلو من بصمة سياسية أحيانا) حول غياب الأمن والاستقرار مع اضطرار شريحة مجتمعية معينة إلى العيش على الهامش، وهذا دون الوقوع في فخ الوعظ المباشر أو رفع الشعارات الجاهزة. قد تكون ميزة هذا المسلسل الأبرز، تقديمه العائلة الفلسطينية بوصفها كيانا نابضا بالحياة، تتأرجح ما بين حرصها على القيم والتقاليد (استحضار بعض الرموز الفلسطينية كالمأكولات الشعبية والموسيقى واللهجة) وبين سعيها الحثيث للاندماج في المجتمع الأميركي. أما البطل "مو"، فيعكس التمزّق الداخلي بين الرغبة في الارتباط بجذوره الفلسطينية وتاريخه العائلي، والحاجة لتقبّل الواقع الأميركي والانغماس فيه بحثًا عن فرصة للنجاح. وهذا بعد إنساني واقعي، يدفع المشاهد إلى التعاطف مع الشخصيات؛ ما دامت بعيدة عن المثالية المُطلقة أو التشويه الكاريكاتوري، بل تجمع في تركيبتها مزيجا من نقاط القوة والضعف. في ظلّ عالم تتشابك فيه الثقافات وتتسارع وتيرة العولمة، يقدّم مسلسل "Mo" نموذجًا لإنتاج فني قادر على المزج بين الانفتاح العالمي والحفاظ على خصوصية الثقافة الأصلية. لا يتعالى المسلسل على باقي الثقافات، بل يحاول إيجاد مساحات مشتركة للتفاعل. وهذا التناغم في الطرح يساهم في كسر الصور النمطية عن المهاجرين واللاجئين، ويقدّم رؤية مختلفة عن قدرة الأفراد على تجسيد الثراء الثقافي والتنوع الحضاري.