ريال مدريد الإسباني وبايرن ميونيخ الألماني، اسمان مرادفان للنجاح في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم. الأول هو الأكثر تتويجاً بـ15 لقباً. الثاني دائم الحضور للعب الأدوار الأولى في بطولة انتزع ودّها في ست مناسبات.كبيران يقفان اليوم على شفير هاوية الخروج، المبكر نسبياً، من الـ"تشامبيونز ليج". في ذهاب ربع النهائي، سقط "ريال" أمام مضيفه أرسنال الإنجليزي بثلاثية نظيفة، بينما خسر "بايرن" على أرضه أمام إنتر ميلان الإيطالي 2-1. سيناريو معقد ينتظرهما في الإياب، غداً الأربعاء. سلاح الأول هو "العودة" أو ما يعرف بالـ "ريمونتادا"، مع تأكيدٍ بأنه الفريق الذي يعشق جلد نفسه قبل أن يقلب الطاولة على خصومه، دون اعتبارٍ لأحجامهم. أما الثاني الذي لم يتجاوز سقوطه أمام الإنتر في نهائي 2010، فيستند في ردة فعله المطلوبة غداً إلى ماضٍ حقق فيه "المستحيل" على حساب الخصم ذاته في قلب ميلانو. مباراة العمر في "سانتياجو برنابيه"، سيخوض ريال مدريد "مباراة العمر"، ربما للمرة "المليون" في تاريخه. تبدو فرص فوزه صعبة. بحسب شبكة "أوبتا" للإحصاءات والأرقام، يحظى بفرصة 4.3 في المئة للتغلب على "المدفعجية" وبلوغ نصف النهائي، 2 في المئة للوصول إلى النهائي، و0.9% للاحتفاظ باللقب. أرقام لا تعد بالكثير، يضاف إليها أنه لم يسبق لـ"ريال" في تاريخ البطولة بمسماها الجديد (منذ الموسم 1992-1993) أن عاد بعد هزيمة بفارق 3 أهداف ذهاباً رغم أنه خاض منذ انطلاق البطولة في 1958، ما مجموعه 48 مباراة إياب بعد خسارة الذهاب، فنجح بالتأهل 26 مرة (54%). ويشير تاريخ دوري الأبطال إلى أن 3 فرق فقط (من أصل 19) تأهلت بعد الهزيمة خارج الديار بثلاثية نظيفة: ديبورتيفو لاكورونيا الإسباني أمام ميلان الإيطالي (2003-2004، خسر 1-4 في ذهاب ربع النهائي وانتصر إيابا برباعية نظيفة)، روما الإيطالي أمام برشلونة الإسباني (2017-2018، خسر 4-1 في ذهاب ربع النهائي وفاز بثلاثية نظيفة في مباراة العودة وتأهل بفضل قاعدة الأهداف المسجلة خارج الديار)، وليفربول الإنجليزي أمام برشلونة أيضاً (2019-2018، خسر ذهاباً بثلاثية نظيفة وحقق الانتصار إياباً برباعية). عودة تاريخية اعتاد ريال مدريد على "العودة". بعد خسارة قاسية 4-1 أمام مضيفه ديربي كاونتي في إنجلترا عام 1975 في ذهاب دور الـ16 لدوري الأبطال، حقق عودة تاريخية إياباً في "سانتياجو برنابيه" وفاز 5-1 في مباراة شهدت شوطين إضافيين. في الموسم 1979-1978، تغلب سلتيك الأسكتلندي عليه بثنائية نظيفة في ذهاب ربع النهائي، لكن "الإياب" شهد فوز "الملكي" بثلاثية سجلت في الشوط الثاني. وخسر "ريال" أمام النجم الأحمر 4-2 في الموسم 1986-1987 في العاصمة الصربية بلغراد، ضمن ذهاب ربع النهائي، بيد أنه انتفض إياباً في "سانتياجو برنابيه" وفاز بهدفين وتأهل بفضل قاعدة الهدف خارج الأرض. وفي الموسم 2015-2016، تقدم فولفسبورج الألماني على ضيفه المدريدي بهدفين ذهاباً قبل أن يتألق اللاعب السابق لـ"الملكي"، البرتغالي كريستيانو رونالدو، ويسجل "هاتريك" قاد من خلالها النادي الإسباني إلى دور الأربعة. وفي دور الـ16 عام 2022، خسر "الملكي" ذهاباً بهدف أمام باريس سان جرمان الفرنسي، قبل أن يفوز إياباً 1-3ويتأهل إلى ربع النهائي حين تغلب على تشلسي الإنجليزي 1-3 ذهاباً. في الإياب، سجل الـ"بلوز" ثلاثة أهداف قبل أن يحرز "ريال" هدفين في الدقيقتين 80 و95 ليبلغ نصف النهائي حين تفوق عليه مانشستر سيتي الإنجليزي ذهاباً 4-3. وفي مباراة العودة، تقدم "سيتيزنس" في الدقيقة 72. اعتقد الجميع أن المسألة انتهت بالنسبة إلى "الملكي" الذي أنقذه البرازيلي رودريجو بهدفين (90 و91)، فارضاً التمديد، فسجل الفرنسي كريم بنزيمة الهدف الثالث (95) وفاز "ريال" 5-6 في المجموع. مؤشر إيجابي يضاف إليه أن الحكم الفرنسي فرانسوا لوتيكسييه سيقود اللقاء الحاسم. هي المرة الرابعة التي يتولى فيها مباراة على أرض ريال مدريد في "الأبطال". حتى الآن، لم يعرف "الملكي" الهزيمة تحت قيادته في ملعبه (فوزان وتعادل). في المقلب الآخر، كان بطل مباراة الذهاب، نجم أرسنال، ديكلان رايس، الذي سجل هدفين من ركلتين حرتين، هما الأولان له في مسيرته من تسديد مباشر لكرات ثابتة. أرسنال بات يملك، بعد الفوز بثلاثية ذهاباً، الأوراق كافة لبلوغ نصف النهائي للمرة الأولى منذ نسخة 2008-2009. يوم رائع كان رايموند أومان حارس بايرن ميونيخ لأكثر من 12 عاماً، عاش خلالها، تحديداً في ديسمبر 1988، ما وصفه بـ"يوم رائع"، حين قاد البافاريين إلى ربع نهائي كأس الاتحاد الأوروبي ("يوروبا ليج" حالياً) على حساب إنتر ميلان. قبل ذلك وعندما أطلق الحكم صافرة النهاية في أمسية نوفمبر الباردة، شعر "بايرن" نفسه بخيبة أمل. رغم الأداء الجيد، خسر ذهاب دور الـ16 لكأس الاتحاد على أرضه أمام إنتر في "أولمبيا شتاديون" بهدفي ألدو سيرينا (60) ونيكولا بيرتي (71). كان التأهل بعيد المنال. وما زاد الطين بلة أن اثنين من رفاق أومان السابقين في "بايرن"، لوثار ماتيوس والراحل أندرياس بريمه، كانا يحتفلان مع زملائهما الجدد في صفوف الفريق الإيطالي بتأهل بدا مضموناً. يتذكر: "لوثار سيسامحني، وكذلك أندي الذي، للأسف، لم يعد معنا. حظيا، كالملوك، بإعجاب وبتحية الجماهير. كان ذلك حافزاً إضافياً لنا. قلنا لأنفسنا: لنرَ من سيضحك أخيراً". في الأسبوعين اللذين سبقا "الإياب"، نشأ شعور قوي داخل الفريق أدى إلى عودة تُصنف بين الأعظم في تاريخ النادي. حقق أومان وزملاؤه، في ديسمبر 1988، ما يأمل الجيل الحالي من لاعبي "بايرن" تحقيقه مساء الغد في الملعب ذاته "جوزيبي مياتزا". يقول: "لا يسعني إلا أن أنصحهم بشيء واحد: ثقوا بمهاراتكم، فهي استثنائية. حينها يصبح كل شيء ممكناً. لدى بايرن فرصة كبيرة للفوز في ميلانو. رغم أزمة الإصابات، لا يزال لديهم فريق قوي جدا ومدرب رائع". كان الإيمان بقوتهم الشيء الوحيد المتبقي للبافاريين قبيل مباراة الإياب قبل حوالي 37 عاماً. يتذكر أومان: "كنا نعلم أن أحداً لن يراهن علينا"، خصوصاً ضد فريق إيطالي. في ذلك الوقت، كان الدوري الإيطالي يُضاهي الدوري الإنجليزي اليوم، وكان إنتر "الأبرز" و"فريقاً عملاقاً"، فيما اعتبر "سان سيرو" بأجوائه "ملعباً مميزاً للغاية". لكن في ميلانو، "أردنا أن نُظهر، ولو لمرة واحدة، أننا بايرن ميونيخ وأن نقدم أفضل أداء". إذا طُرحت مقارنة بين الخصمين آنذاك، "بالتأكيد لم نكن المرشح الأوفر حظاً"، يوضح أومان، ويضيف: "الأمور مختلفة اليوم. لدى بايرن فرصة كبيرة للفوز". كان مدرب الفريق، يوب هاينكيس "محبطاً مثلنا تماماً في البداية، لكنه بعد ذلك شجعنا وقال: يا شباب، يمكننا فعلها! كلما اقتربنا من الإياب، ازدادت قناعتنا بالقدرة على أداء المهمة". حتى أن المدير العام في ذلك الحين، أولي هونيس، وعد بمضاعفة المكافآت. يقول أومان: "كان ذلك رائعاً بالطبع، لكن لا يُمكن التحفيز في يوم كهذا بالمال وحده. كنا متحمسين للغاية لتحقيق المستحيل". تسع دقائق بينما بدا كل شيء على ما يرام للزوار، سارت الأمور على نحو خاطئ للمضيف. سجل الفريق الألماني ثلاثية في غضون تسع دقائق فقط عبر رولاند فولفارت (33)، كلاوس أوغنتالر (37) ويورجن فيجمان (40). اضطر بريمه للخروج مصاباً بعد نصف ساعة. انتفض إنتر وقلص الفارق قبل الاستراحة بقليل عن طريق سيرينا. هدف واحد إضافي سيُخرج "بايرن". انحصرت المنافسة بين إنتر وأومان في الدقائق الـ 45 التالية. أوضح الحارس السابق: "في الشوط الثاني، اندفع إنتر بقوة، وجماهيره خلفه، لكني شعرت براحة كبيرة. يعيش الحارس من أجل هذه المباريات". واصل تصديه لكرات بدت كأنها لا تُصد. يتذكر عندما تجاوز ماتيوس خمسة أو ستة لاعبين. كان متوجهاً نحو المرمى. "أطلق العنان لكامل مشط قدمه، وتمكنت من التصدي للكرة". قال مدافع إنتر، جوزيبي بيرجومي، بعد سنوات: "حتى اليوم، ما زلت لا أعرف كيف تصدى لتلك الكرة". تابع أومان: "لأن ما حصل كان مستحيلاً في الواقع، لا يزال الناس يتحدثون عنه حتى اليوم. هذا يجعلنا جميعاً ممن حققوا المعجزة. نشعر بقليل من الفخر". من جهته، قال ماتيوس: "كانت مباراة رايموند أومان. كان الأفضل. ما زلت أتذكر ذلك جيداً. بعد شوط أول رائع، منحت سبعة أو ثمانية تصديات رائعة في الشوط الثاني التأهل لبايرن". بفضل "بطل سان سيرو"، كما وُصف أومان لاحقاً، صمد الدفاع البافاري ليفوز 3-1، وحقق "بايرن" إنجازاً تاريخياً. يقول المدرب البالغ من العمر 61 عاماً: "عليهم فقط تسجيل هدف. ثم أود أن أرى ما سيحدث عندما يتقدم بايرن. ستكون الاحتمالات مفتوحة. أنا مقتنع بأن (الإنجليزي) هاري كاين وجوشوا كيميتش وزملاءهما سيفعلون الشيء نفسه ويقلبون النتيجة. من الواضح أن التأهل سيكون صعباً للغاية، لكنني أؤمن بقدرة فريقنا إذا ركز اللاعبون على أنفسهم وبذلوا قصارى جهدهم". ختم: "في النهاية، يحلم الجميع في النادي بالوصول إلى النهائي في ميونيخ في 31 مايو".