لا شك أن ما يحدث من تقارب بين القيادتين السورية والتركية لم يكن يتوقعه المراقبون والمتابعون لأدق التفاصيل في العلاقات بين البلدين التي شهدت تدهورا كبيرا عام 2011، وصلت إلى حد القطيعة في مارس 2012 وتهديد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالصلاة في الجامع الأموي بعد إسقاط بشار الأسد.دمشق وأنقرة كانتا قد أسستا منذ عام 2003 لعلاقات سياسية واقتصادية متينة، لعبت خلالها أنقرة دور الراعي لمفاوضات سلام غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا في عام 2008، لكنها فشلت بعد إعلان دمشق إيقافها بسبب شن إسرائيل عدوانا على غزة. أما في مجال العلاقات الثنائية، فقد اتفق البلدان في 6 سبتمبر 2009 على تأسيس "مجلس التعاون الاستراتيجي التركي السوري" الذي ضمّ ما يزيد على 30 اتفاقية و10 بروتوكولات ومذكرات تفاهم، في مجالات حيوية كالدفاع والأمن والاقتصاد والصحة والنقل، كما وقعّتا اتفاقية قضت بإلغاء تأشيرات الدخول لرعايا الدولتين. السؤال الآن، هل سيتم هذا التقارب بعد أن دعمت تركيا كل من ناصب بشار الأسد العداء، سواء بالسلاح أو المال؟ وهل ستسمح الولايات المتحدة بذلك، بعدما دعا الناطق باسم خارجيتها نيد برايس إلى عدم التطبيع مع "النظام السوري" ومثله فعل المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا إيثان غولدريتش، الذي قال بدوره: "إننا واضحون ولن نطبّع مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد وقد أخبرنا الدول المطبّعة أنهم لن يحصلوا على شيء من سوريا". التصريحات الأميركية تؤكد امتعاض واشنطن من هذا التقارب، في وقت يستعد فيه وزير الخارجية التركي لزيارة واشنطن يومي 16 و17 الشهر الحالي، لإطلاع المسؤولين الأميركيين على تطورات التقارب مع دمشق. قد يسأل البعض، ما الذي يدفع تركيا إلى مصالحة سوريا، والتنسيق معها والإعلان أنها ستنسحب من الأراضي التي سيّطرت عليها في سوريا؟ الجواب بالطبع: "تركيا لها أسبابها".1- السبب الأول هو منع قيام كانتون كردي على حدودها الجنوبية يديره حزب العمال الكردستاني الذي تحاربه تركيا منذ عام 1984. 2- السبب الثاني هو الانتخابات المقبلة في يونيو المقبل، وسعي إردوغان لسحب هذه الورقة من يدّ المعارضة التركية التي وعدت الحكومة السورية بالانسحاب وإعادة اللاجئين في حال فوزها. 3- السبب الثالث اقتصادي، فتركيا تريد أن تعود سوريا "طريق ترانزيت" لبضائعها إلى دول الخليج، بعدما عمدت إلى مصالحة كل من السعودية والإمارات، وأيضا أن تكون مشاركة في إعادة الإعمار ما ينعكس على اقتصادها الذي شهد تراجعا في الأعوام الأخيرة. السؤال الأهم: هل يستمر إردوغان في التقارب مع دمشق؟ وهل تثق دمشق بالرئيس التركي؟ أليس من الأفضل لسوريا لو انتظرت حتى تجري الانتخابات النيابية والبرلمانية التركية، ومن ثم يكون التفاوض مع الفائز؟ دمشق ترى أن الهدف الأهم بالنسبة لها، هو الانسحاب التركي من أراضيها، وبسط سلطة الجيش العربي السوري على هذه المناطق، وتفكيك المجموعات الإرهابية في إدلب وشمال حلب، وفتح الطرق الدولية. وهذه الفرصة قد لا تتوفر لدمشق مرة أخرى، فهي ترى أن المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، هو أقرب لواشنطن من حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبالتالي في حال فاز حزب الشعب فإنه قد يرضخ لشروط واشنطن في عدم مصالحة سوريا والتقارب معها. في حين ترى دمشق أن إردوغان هو الأقرب لموسكو وأنه سيقوم بهذه الخطوات لسببين: - الأول: تحصيل مكاسب جديدة من روسيا في ملفي أوكرانيا والغاز. - الثاني: مساعدة روسيا له في منع قيام "كانتون كردي" في شمال شرق سوريا، وهو ما لم تعده به واشنطن. فإردوغان يريد أن يُحرج واشنطن من خلال تصفير المشكلات مع سوريا، والقول للأخيرة لدينا هدف واحد هو عدم قيام "كانتون كردي" في تلك المنطقة، وهو ما قد يحصل في تركيا أيضا. ومن هنا التقت المصلحتان السورية والتركية أو لنقل الأمن القومي للبلدين، ولكن هل سينجحان؟ الأيام المقبلة ستفيدنا بذلك، ولا سيما بعد القمة التي ستجمع الرئيسين إردوغان والأسد قريبا. وهنا لا بد من التنويه بجهود دولة الإمارات العربية المتحدة في محاولة رفع الحصار عن سوريا، حيث كانت أول دولة عربية أعادت فتح سفارتها في دمشق نهاية عام 2018، وأول دولة عربية يزورها الرئيس الأسد في مارس من العام الماضي، وهي أول من طالب بوقف العمل بقانون قيصر، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وقيام وزير خارجيتها الشيخ عبدالله بن زايد بزيارتين إلى دمشق، كانت آخرهما في الرابع من الشهر الحالي، ما فسره البعض بأنه دور إيجابي تلعبه الإمارات بين دمشق وأنقرة إلى جانب موسكو، فهل انتهى عهد القطيعة الإقليمية والدولية مع دمشق؟!