مع بداية كل دخول مدرسي تطرح من جديد مشاكل نظام تربوي يعاني من عوائق لا حصر لها، وخصوصًا بعد الإعلان عن الترتيب الجديد للمغرب دوليًا، والذي جعله يتدحرج إلى رتبة متأخرة جدًا وهي الرتبة 154.لقد ظل التعليم بمثابة الهاجس المؤرق لكل الحكومات المغربية منذ الاستقلال، حيث يبتلع النسبة العظمى من ميزانية الدولة دون أن يكون لذلك أثر واضح سواء على الوعي العام أو على جودة التكوين للمتمدرسين من أبناء وبنات المغرب، ورغم أن الوزارة الوصية دأبت منذ عقود على تنظيم ورش وطنية ومناظرات حول "إصلاح التعليم"، إلا أن التوصيات التي تنتهي إليها تلك اللقاءات لا يعرف معظمها طريقه نحو التحقق، مما انعكس سلبًا على مستوى التلاميذ الذين احتلوا بدورهم في دراسات دولية مواقع متأخرة.وقد عرفت نهاية القرن الماضي إصدار "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" الذي اشتغلت عليه مختلف الأطراف السياسية والمدنية والنقابية والإدارية، إلا أنه بدوره لم يكن له تأثير يذكر بقدر ما تفاقمت أزمات قطاع التعليم وتزايدت، مما حذا بالدولة إلى أن تنشىء "المجلس الأعلى للتربية والتكوين"، الذي انكب على مختلف جوانب النظام التربوي المغربي وأصدر "رؤية" إستراتيجية و"قانونا إطارًا" لم يعرفا طريقهما نحو التطبيق إلا بشكل جزئي وغير مؤثر.وقد عرفت بداية السنة الحالية تصادمًا كبيرًا بين رجال ونساء التعليم وبين الوزارة أدى إلى "حراك" قوي في الشارع العام دام عدة شهور، بسبب إصدار الوزارة لـ"نظام أساسي" لموظفي التعليم لم يجد فيه المدرسون ما يضمن مصالحهم المهنية، معتبرين أنّ الوزارة اتخذت قراراتها من طرف واحد بدون استشارة الأطراف المعنية وخصوصًا منها الطرف الرئيسي الذين هم الممارسون المباشرون للعملية التعليمية أيّ الأساتذة. وقد انتهت الأزمة بتنازل الوزارة لإنقاذ السنة الدراسية التي كانت تتجه نحو سنة بيضاء.مشاكل التعليم في المغربويمكن إجمال الجوانب المثيرة للجدل والتي ينكب عليها النقاش باستمرار في موضوع التعليم بالمغرب في:ضعف البنيات التحتية والإمكانيات والتجهيزات التقنية الضرورية في المؤسسات التعليمية، وخصوصًا في الهوامش والمناطق القروية.نسبة الهدر المدرسي التي تجعل نسبة كبيرة من التلاميذ يغادرون فصول الدراسة لأسباب عديدة.ضعف تكوين الأساتذة الذين لا يستفيدون من دورات تكوينية مكثفة ترفع من مردوديتهم التربوية.استعارة المناهج التربوية الأجنبية دون تبيئتها وملاءمتها مع السياق السوسيوثقافي للمدرسة المغربية.تناقض المضامين الدراسية وتضاربها وغياب الانسجام القيمي فيما بينها مما يجهض العملية التعليمية ويخلق قلقًا معرفيًا وهوياتيًا لدى المتمدرسين.جعل التعليم مجالًا للصراع والتصادم بين التيارات الإيديولوجية عوض جعله ورشًا وطنية محايدة تهدف إلى بناء المواطن الفاعل والمبادر.هذه الأعطاب كلها جعلت النظام التربوي المغربي يعاني من تدهور يعكس كل سنة الترتيب الدولي للمغرب الذي عرف هذه السنة تراجعًا كبيرًا، مما جعل الكثير من الأصوات النقدية تتصاعد لتطرح السؤال عن مدى وجود إرادة سياسية لدى الحكومة لإصلاح التعليم إصلاحًا فعليًا، خصوصًا وأن دور المدرسة قد تراجع بشكل كبير مع ظهور وسائل التواصل الجديدة التي أصبحت أكثر تأثيرا على عقول الأطفال والشباب اليافعين.ولعل أهم المقترحات لتجويد التعليم بالمغرب، والتي تتمخض عنها النقاشات العمومية باستمرار تتمثل أولا في ضرورة توفير المؤسسات المجهزة بشكل جيد في كل التراب الوطني بغرض إنجاح تعميم التعليم الذي ما زال متعثرا، مما جعل نسبة الأمية تتقلص بشكل بطيء. وثانيا في أهمية التكوين المكثف للأساتذة بغرض تمكينهم من أدوات الاشتغال المنهجية والنظرية الأكثر نجاعة، مع الحرص على وضعهم الاعتباري في المجتمع وحقوقهم المهنية. وثالثا في إعادة النظر في المناهج والمضامين الدراسية من أجل جعلها منسجمة مع الالتزامات الدستورية للدولة، التي تجعل من المغرب بلدًا مرتبطًا بجذوره وأصالته الإيجابية، لكن في الوقت نفسه منفتحًا على القيم الكونية والإنسانية، وذلك بهدف تفاديّ الاضطراب القيمي الذي تؤدي إليه ازدواجية "الأصالة والمعاصرة" أو "التقليد والحداثة"، في غياب رؤية نقديّة شمولية تستطيع خلق الملاءمة المطلوبة لتفادي عرقلة الأهداف التربوية المسطرة للمدرسة المغربية.