تتصدر سباقات سيارات "فورمولا 1" المشهد على صعيد رياضة المحركات، خصوصاً أنها تعكس عامل السرعة القصوى الذي لا يجتذب حصراً عشاق هذا النوع من الرياضة، بل كل باحث عن إثارة تنافسية.لهذه السباقات بطولة عالمية خاصة أبصرت النور عام 1950 وشهدت ولادة سائقين وشموا المنافسة بأسمائهم، مثل البرازيلي آيرتون سينا الذي توفي في 1 مايو 1994 إثر اصطدام سيارته بحاجز إسمنتي خلال جائزة سان مارينو الكبرى على حلبة إيمولا، الفرنسي ألان بروست، الألماني سيباستيان فيتيل، البريطاني لويس هاميلتون ومواطنيه نايجل مانسل وجاكي ستيوارت، الأرجنتيني خوان مانويل فانجيو، والنمسوي نيكي لاودا وغيرهم. لكن الأبرز يبقى الألماني ميكايل شوماخر الذي يمثل بالنسبة إلى كثيرين أيقونة "فورمولا 1"، مثله مثل الأميركي محمد علي كلاي في حلبات الملاكمة، مواطنه مايكل جوردان في ملاعب كرة السلة، والأرجنتيني دييغو مارادونا في المستطيل الأخضر لكرة القدم. "شومي" اعتزل مع نهاية الموسم 2012 قبل أن يصاب في 29 ديسمبر 2013 بجراح بالغة في الرأس بعد اصطدامه بصخرة أثناء ممارسته التزلج خلال رحلة استجمام مع عائلته في جبال الألب ليبقى طريح الفراش إلى اليوم نتيجة إصابة دماغية. ورغم مرور العديد من الأبطال بعده فإن الحنين إلى "زمن الألماني" ما زال قائماً. وبالإضافة إلى السائقين، نجحت شركات وفرق عدة في ترك إرث كبير في هذه الرياضة النخبوية.غياب الأسماءوترافق غياب الأسماء الرنانة في العقد الأخير مع تراجع نسبي على مستوى متابعة السباقات، ودخول قوانين حدّت من الصراع المحموم بين الفرق-الشركات وبين السائقين، غير أنها ما زالت تشكل مسرحاً للتحديات، مع ارتفاع الصراع لاستضافة السباقات كحدث عالمي يعادل التهافت على تنظيم بطولات عالمية لرياضات شعبية أخرى مثل كرة القدم، بغية الترويج لهذا البلد أو ذاك، الأمر الذي نتج عنه ولادة عدد كبير من الحلبات الحديثة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. بعيداً عن الناحية التنافسية، ثمة سؤال يفرض نفسه ويتركز في الفوارق بين سيارات "فورمولا 1" التي يقتصر نشاطها على إبراز القدرات داخل الحلبة، دائمة كانت أو مؤقتة، والسيارات التجارية العادية التي تجوب الشوارع حول العالم. تعد سباقات السيارات بشكل عام مختبراً لتجربة الابتكارات وتطوير المحركات ووقودها وزيوتها، قبل تطبيقها في الإنتاج التجاري، كما تشكل المشاركة في بطولة العالم مفخرة، وتعكس قوة بالنسبة إلى الشركات المصنعة للسيارات التجارية تحديداً. وبما أن "فورمولا 1" تمثل أقصى تطور ممكن لرياضة المحركات، فقد نجحت في استقطاب كبار المهندسين والإداريين ورجال الأعمال، الأمر الذي يجعل منها جزءاً طبيعياً من صناعة السيارات."فيراري" الأقدمفي البداية، كانت البطولة تقتصر على فرق مستقلة قبل أن يفرض التطور التقني والتنافس المحموم عليها البحث عن صانعين شركاء بغية تزويدها بالمحركات ودعمها بالتمويل، غير أن عدداً قليلاً منها بقي مستقلاً مثل فيراري، صاحبة الفريق الأقدم والتي لم تغب شمسها عن المنافسات منذ 1950. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المخاطر كبيرة جداً على الحلبة نتيجة السرعات الهائلة مع علم السائق بأن أي هفوة منه (وأحياناً من فريقه) قد تودي بحياته، ومن هنا يسعى الاتحاد الدولي للسيارات (فيا) باستمرار إلى تعزيز عوامل السلامة.الاختلافات كثيرة بين السيارتين، شكلاً ومضموناً، ابتداءً من الهيكل، مروراً بالمقصورة بمقعدها الأحادي في مركبة "فورمولا 1"، وصولاً إلى أدق التفاصيل، بيد أن الاختلاف الجوهري يتركز في المحرك. ورغم اعتماد السيارتين محركات الاحتراق الداخلي، فإن مركبة "فورمولا 1" تركز على السرعة أكثر بكثير وتتجاوز أحيانا عتبة الـ 350 كلم/ساعة رغم انخفاض أحجام محركاتها في السنوات الأخيرة نتيجة قيود هندسية، ما جعلها أقل قوة من ذي قبل. وتجهز هذه السيارات اليوم بمحركات توربينية V6 سعة 1.6 لتر، مصممة أيضاً للمساعدة في تعزيز كفاءة استهلاك الوقود، بعدما كانت تختلف سابقاً من فريق إلى آخر. في المقابل، تزود السيارات العادية بمحركات أكثر تركيزاً على طول العمر والاعتمادية. ثلاث ثوانٍيتركز الاختلاف الثاني في التسارع، إذ يمكن لسيارة "فورمولا 1" أن تستغرق نحو ثلاث ثوانٍ فقط للانطلاق من حالة السكون (صفر) إلى 100 كلم/ساعة، أي أقل بنحو خمس إلى تسع ثوانٍ من السيارة العادية. ويعود ذلك إلى أمور عدة أبرزها التصميم الانسيابي المرتبط بالمحرك الجبار ووزن المركبة. وتتباهى سيارة "فورمولا 1" بقدرتها الاستثنائية على عبور المنعطفات الحادة بسرعات عالية بفضل قدرات المكابح والجر والديناميكيات الهوائية، على النقيض من السيارة العادية. ورغم محاولات الربط بين المركبتين، تبقى المقارنة، بالنسبة إلى كثيرين، بعيدة كل البعد عن المنطق وعن فرض حقل تجارب مزعوم، إذ تبدو سيارة "فورمولا 1" وليدة عالم خيالي قادم من فضاء متطور، فيما تفرض السيارة العادية نفسها كـ "مخلوق منطقي" في حياة يومية مهما تغنّت بتكنولوجيات حديثة. المهم أن يتحاشى سائق في المدينة تقمُّصَ دور سائق "فورمولا 1" على الحلبة... حيث لن ينفع الندم.