كتب أحد الناشطين على تطبيق" إكس" يقول: "4 آلاف شاب خسروا عيونهم، ولا أحد سأل أو طالب بمحاسبة مَن قام بصفقة البيجرات، مَن لا يسأل ولا يحاسب، لا يكون مقاوماً طوال حياته". مسؤول ملف الموارد والحدود في "حزب الله" النائب السابق نواف الموسوي، قال في مقابلة تلفزيونية: "الإسرائيلي لم يقم بأي انجاز، وكل إنجازاته ضدنا لا يتسم بالذكاء، بل هي ناجمة عن قصور وأحياناً تقصير لدينا". ولم يخفِ الموسوي استغرابه من عدم مرور أجهزة "البيجر" المستوردة على الأمن الوقائي التابع لـ"حزب الله"، وكيفية حمل مثل هذه الأجهزة قبل فتحها، كاشفاً أنّ "الحاج عماد"، (عماد مغنية، من كبار قادة "حزب الله"، اغتالته إسرائيل عام 2008 في سوريا)، هو من اخترع تفخيخ "البيجر"، وهو مفخِّخ بيجرات أثناء عمله".لا محاسبة في "حزب الله"بين ما كتبه أحد النشطاء على "إكس"، وما قاله نواف الموسوي في إحدى مقابلاته التلفزيونية، جامع مشترك وهو أن لا محاسبة في "حزب الله"، وإذا كان هناك من محاسبة فلا شفافية فيها ولا إعلان عن نتائجها. هذه الثقافة المفتقدة لدى "حزب الله"، موجودة لدى إسرائيل، لا بل ملزِمة. ويشهد تاريخ الحروب التي خاضتها أن نهاية كل حربٍ كانت تصل إلى "لجنة تحقيق" لكشف ما حصل سواء أكان هناك تقصير أو غير ذلك.إثر الحرب الأخيرة، حرب "طوفان الأقصى"، والتي ارتبطت فيها حرب "الإسناد والمشاغلة" التي شنها "حزب الله" ضد، شكَّل جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" لجنة تحقيق في قضية إخفاق الجهاز في كشف الخطة الهجومية لحركة "حماس".جاء نشر التقرير بعد 16 شهراً على اندلاع الحرب، وتضمن الإخفاقات وتحميل المسؤوليات.إثر حرب يوليو 2006، شكَّلت إسرائيل لجنة تحقيق عرفت بـ"لجنة فينوغراد"، نسبةً إلى القاضي الإسرائيلي إلياهو فينوغراد الذي رأس اللجنة التي تولت كشف الحقائق وتقويم الحرب، بلغ التقرير 600 صفحة استنادا إلى 74 شهادة قدمها مسؤولون سياسيون وعسكريون وخبراء.وخلصت اللجنة في تقرير أعلنته بعد سنتين وشهور عدة، إلى أن حرب لبنان شكلت "إخفاقا كبيرا وخطيرا" لإسرائيل. وإثر نشر التقرير قدَّم عدد من كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي استقالاتهم.في المقابل، لم يشكِّل "حزب الله" أي لجنة تحقيق، وهو الذي خاض تلك الحرب، بعدما تسبب بها، من خلال خطفه جنودًا إسرائيليين، علمًا أن أمينه العام حسن نصر الله أقرَّ بالخطأ في فتح تلك المعركة من خلال قوله في إحدى المقابلات: "لو كنت أعلم"، وكان يقصد بذلك أنه لو كان يعلم حجم الخسائر التي تسببت بها تلك الحرب لَما كان خاضها. في المقابل، وبدلًا من تشكيل لجنة تحقيق، أطل نصرالله غير مرَّة ليتحدث عن "نصر إلهي"، ما طرح السؤال آنذاك عن كيفية التوفيق بين منطقَيْ "لو كنت اعلم" و"النصر الإلهي".إسرائيل تحقق في إخفاقات حروبهالجان التحقيق في إسرائيل كانت متلازمة مع كل حرب وخصوصا تلك التي كانت تشهد إخفاقات، ومنها حرب 1973، آنذاك شكَّلت لجنة تحقيق عرفت بـ"لجنة إغرانات" نسبةً إلى رئيس المحكمة العليا آنذاك، القاضي شمعون أغرانات، وبعد 6 اشهر قدمت اللجنة تقريرها وحددت مسؤولية كل من رئيسة الحكومة، غولدا مئير، ووزير الدفاع، موشي دايان، ورؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة.لم يقتصر الأمر في إسرائيل على لجان التحقيق، بل كانت تُصدَر كتب عن الإخفاقات والتحقيقات، ومن أبرزها "المحدال" أي "التقصير"، وهو تضمن شهادات عن حرب 1973 لمجموعة كبيرة من الصحفيين ممن عملوا كمراسلين عسكريين، وكان تركيز في الكتاب على تقصير الجيش الإسرائيلي وعيوبه، وشكَّل مستندًا تم ضمه إلى "لجنة أغرانات". إنها "ثقافة المحاسبة"، وهي التي تشكِّل أخذ العِبَر واستخلاص الدروس، وما دون ذلك، سيبقى النصر والهزيمة وجهة نظر، وسيبقى الإفلات من المحاسبة سمة المجتمعات المتخلِّفة.