يبدو أن الأوبئة عادت إلى الظهور. ففي العصور الوسطى ظهر الطاعون، وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت الإنفلونزا الإسبانية. ومات عشرات الملايين من الناس بسبب هذه الأمراض.ومع التطور الطبي، نجح التطعيم في القضاء على الجدري وشلل الأطفال تقريبا. وأصبحت المضادات الحيوية متاحة لعلاج الالتهابات البكتيرية، ومؤخرا، مضادات الفيروسات أيضا.ولكن في السنوات والعقود الأخيرة يبدو أن الأوبئة عادت. ففي ثمانينيات القرن العشرين، كان لدينا فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، ثم أوبئة عدة كإنفلونزا، وسارس، وكوفيد.فلماذا يحدث هذا إذن، وهل هناك أي خطوة لتجنب الأوبئة في المستقبل؟النظم البيئية غير المتوازنةتوفر النظم البيئية الصحية المستقرة خدمات تحافظ على صحتنا، مثل توفير الغذاء والمياه النظيفة، وإنتاج الأكسجين، وإتاحة المساحات الخضراء للترفيه ورفاهيتنا.ولكن عندما تؤدي الأنشطة البشرية إلى تعطيل النظم البيئية واختلال توازنها ــ مثل تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي ــ فإن الأمور تسوء.على سبيل المثال، يؤثر تغير المناخ على عدد وتوزيع النباتات والحيوانات. ويمكن للبعوض الذي يحمل الأمراض أن ينتقل من المناطق الاستوائية إلى ما كان في السابق مناخات معتدلة مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب وقد يصيب المزيد من الناس في الأشهر التي تكون خالية من الأمراض عادة.مثلا من المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى تعريض المزيد من الناس لخطر الإصابة بحمى الضنك.ومع تأثير التنمية الحضرية والزراعية على النظم البيئية الطبيعية، تتزايد فرص إصابة البشر والحيوانات الأليفة بمسببات الأمراض التي لا تُرى عادةً إلا في الحياة البرية.على سبيل المثال، دخل فيروس نقص المناعة البشرية لأول مرة إلى التجمعات البشرية من القردة التي تم ذبحها للحصول على الغذاء في إفريقيا ثم انتشر عالميًا من خلال السفر والتجارة.وفي الوقت نفسه، يُعتقد أن الخفافيش هي الخزان الأصلي للفيروس الذي تسبب في جائحة كوفيد، التي قتلت أكثر من 7 ملايين شخص حتى الآن.استهداف الأسباب النهائيةعوامل مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتحديات العالمية الأخرى هي السبب النهائي والأبرز للأوبئة. وفي الوقت نفسه، فإن زيادة الاتصال بين البشر والحيوانات الأليفة والحياة البرية هي السبب المباشر لذلك.التمييز بين الأسباب النهائية والأسباب المباشرة مهم لأننا غالبًا ما نتعامل فقط مع الأسباب المباشرة. على سبيل المثال، قد يدخن الناس بسبب الإجهاد أو الضغط الاجتماعي (الأسباب النهائية للإصابة بسرطان الرئة)، لكن السموم الموجودة في الدخان هي التي تسبب السرطان (السبب المباشر).وبشكل عام، لا تهتم الخدمات الصحية إلا بمنع الناس من التدخين ــ ومعالجة المرض الناتج عن ذلك ــ وليس إزالة العوامل التي تدفعهم إلى التدخين في المقام الأول.(ترجمات)