لم يعد الحمل بطفل وولادته أمرا بسيطا وسهلا منذ سنوات قليلة. "معدلات الخصوبة في جميع الدول تقريبا ستكون منخفضة للغاية بحيث لا يمكنها الحفاظ على مستويات السكان بحلول نهاية القرن"، خلاصة دراسة حديثة لا يمكن أن تمر مرور الكرام.والخصوبة أو العقم مرض يصيب الجهاز التناسلي إما للذكور أو الإناث، وفق منظمة الصحة العالمية. كما يوصف بأنه عجز عن إحداث الحمل بعد 12 شهرا أو أكثر من الجماع المنتظم ومن دون استهلاك وسائل منع الحمل.ارتفاع نسبة العقم عالميا وفي آخر أرقام منظمة الصحة العالمية، يصيب العقم عددا كبيرا من الناس في مرحلة من مراحل حياتهم.يعاني العقم نحو 17.5% من البالغين. أي نحو شخص واحد من كل 6 أشخاص حول العالم.وهذا ما أكده أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية د. ضرار حسن بلعاوي لمنصة "المشهد"، قائلا إنه في السنوات الأخيرة، برزت العديد من الدراسات التي تشير إلى أن معدلات الخصوبة في العالم بأسره تشهد انخفاضًا ملحوظًا، ويُتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في السنوات المقبلة.أسباب العقمووفق منظمة الصحة العالمية، قد يُعزى العقم إلى عوامل لدى الذكور، وعوامل لدى الإناث، ومزيج من العوامل بينهما أو قد تبقى أسبابه مجهولة. في السياق ذكرت طبيبة التوليد وران الأسعد لمنصة "المشهد" أن أسبابا عدة تقف خلف ارتفاع العقم منها الاجتماعية ومنها البيئية، وتشمل: تأخر سن الزواج كلما ارتفع سن المرأة ينقص احتياطي المبيض لديها.تأخر الإنجاب بعد الزواج.العوامل البيئية والتعرض للتلوث قد تعلب دورا في خفض احتياطي المبيض.ومع ذلك، بالنسبة للنساء والرجال على حد سواء، ارتبطت عوامل بيئية وعوامل نمط الحياة مثل التدخين والإفراط في تناول الكحول والسمنة والتعرض للملوثات البيئية بانخفاض معدلات الخصوبة.بينما قال بلعاوي إن الدراسات أظهرت انخفاضًا في عدد الحيوانات المنوية عالميًا.في السياق، أشار بحث أجري بين عامي 1973 و2018 إلى أن عدد الحيوانات المنوية انخفض بنسبة 1.2% سنويًا.ومنذ عام 2000، تسارع هذا التراجع إلى أكثر من 2.6% سنويًا. يُعتقد أن هذا التسارع في الانخفاض يعود إلى أسباب عدة، بما في ذلك التغيرات في نمط الحياة الحديثة والتأثيرات البيئية، وفق بلعاوي.كما تابع الخبير الأردني أنه من بين العوامل المتعددة التي تم تحديدها للعقم، يأتي التلوث والميكروبات. "لهما دور بارز في التأثير على معدلات الخصوبة". التلوث وتأثيره على الخصوبةالتلوث البيئي هو واحد من أكبر التحديات التي تواجه البشرية اليوم. يشمل هذا التلوث الهواء والماء والتربة، وقد أظهرت الدراسات العلمية وجود صلة مباشرة بين التعرض لملوثات معينة وانخفاض معدلات الخصوبة.وتابع الطبيب أن "المواد الكيميائية مثل الرصاص، الزئبق، بعض أنواع البلاستيك مثل الفثالات، ومركبات البوليكلورينات الثنائية (PCBs)، التي تنتشر في البيئة بسبب الأنشطة الصناعية، قد ارتبطت بالتأثيرات السلبية على الخصوبة لدى الرجال والنساء على حد سواء".وأكمل أن التلوث، خصوصا تلوث الهواء، له تأثيرات متعددة على صحة الإنسان بشكل عام وعلى الخصوبة بشكل خاص. ولفت إلى دراسة حديثة شملت أكثر من 30 ألف رجل في الصين وجدت أن تلوث الهواء قد يؤثر سلبًا على جودة الحيوانات المنوية، مما يؤثر بدوره على الخصوبة. كما وجد البحث أن الجسيمات الأصغر من الملوثات في الهواء كانت أكثر فعالية في إحداث ضعف في حركة الحيوانات المنوية. هذه الدراسة تُضاف إلى قاعدة الأدلة التي تشير إلى وجود صلة بين التلوث وضعف جودة الحيوانات المنوية. الميكروبات علاوة على ذلك، بدأ العلماء في التعرف على دور الميكروبات، خصوصا تلك التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، في التأثير على الخصوبة. العدوى مثل الكلاميديا والسيلان يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يتم تشخيصها وعلاجها في الوقت المناسب، بما في ذلك تلف الأعضاء التناسلية والعقم. حتى بعض العدوى التي قد لا تظهر أعراضًا واضحة يمكن أن تكون لها عواقب طويلة الأمد على الخصوبة، وفق بلعاوي.واعتبر المتحدث ذاته أن:الآليات التي من خلالها يؤثر التلوث والميكروبات على الخصوبة معقدة ومتعددة الأوجه. يمكن للملوثات التأثير على الهرمونات وإحداث تغيرات في التوازن الهرموني، مما يؤثر على الإباضة وجودة الحيوانات المنوية. كما يمكن أن تؤدي إلى التهابات أو تغيرات في الحمض النووي.أي دول ستفلت من العقم؟ وفق الدراسة الحديثة، يبدو أن ليست كل البلدان ستصاب بالعقم بالطريقة نفسها، لافتة إلى أن معظم المواليد الأحياء حول العالم سيكونون من الدول الأكثر فقرا.وأوضح الباحث ستاين إميل فولسيت من معهد قياسات الصحة والتقييم في جامعة واشنطن بسياتل في بيان أن هذا الاتجاه سيؤدي إلى تقسيم العالم بين "طفرة مواليد" و"كساد مواليد"، وأن الطفرة ستتركز في الدول منخفضة الدخل الأكثر عرضة لعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.الوقاية من العقم لا حلول نهائية للعقم وفق الأسعد، داعية للقيام بفحوصات الزواج اللازمة، ونصحت بزيادة فحص مخزون البويضات أو "السبيرم" لإعطاء الزوجين فكرة عن وضعهما الإنجابي.وشددت على إيلاء أهمية للموضوع لأن العقم يسبب حالات طلاق بعد الزواج.وذكرت أن العقم بين الذكور والإناث متشابه أي 40% يعود للرجل و40% للمرأة و20% من حالات العقم تعود لأسباب مجهولة.(المشهد)