تنظيم "داعش" لم يعد كما كان سابقا في الميدان، لكنه لم يتوقف عن تجنيد عناصر له من كلّ دول العالم عبر الإنترنت. هذا السيناريو من المرجح أن يكون قد حصل مع منفّذ هجوم نيو أورليانز في أميركا.في ليلة رأس السنة 2025، قام جندي أميركي سابق مؤيّد لتنظيم "داعش" بعملية دهس استهدفت حشدا من المحتفلين في نيو أورليانز، وأسفرت عن مقتل 15 شخصا بمن فيهم المهاجم، وإصابة العشرات.حياة منفذ هجوم نيو أورليانزمنفّذ العملية هو شمس الدين جبار، أميركي يبلغ من العمر 42 عامًا من ولاية تكساس، عمل سابقًا في مجال العقارات في هيوستن وكان متخصصًا في تكنولوجيا المعلومات خلال خدمته في الجيش.بدأت أدلة جديدة تكشف عن ولاء جبار لتنظيم "داعش" وعزمه على تنفيذ هجوم دامٍ.ووفق إعلام أجنبي، جبار استلهم أفكاره بنسبة 100% من "داعش". وقبل تنفيذ هجومه باستخدام شاحنة صغيرة من طراز "F-150" كان قد استأجرها، نشر جبار تسجيلات مصوّرة على منصة إلكترونية، أعلن فيها دعمه للتنظيم. كما ظهر وهو يضع راية التنظيم في الجزء الخلفي من مركبته.في أحد هذه التسجيلات، أشار جبار إلى أنه "فكر في البداية بإيذاء عائلته وأصدقائه، لكنه تراجع عن ذلك خوفًا من أن وسائل الإعلام قد لا تسلط الضوء على ما وصفه بـ'الحرب بين المؤمنين والكفار".وكشفت وزارة الدفاع الأميركية أن شمس الدين جبار خدم في الجيش كمتخصص في الموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات من 2007 حتى 2015 ثم في الاحتياط حتى العام 2020.وأُرسل جبار إلى أفغانستان من فبراير 2009 حتى يناير 2010، بحسب ناطق باسم الجيش.أسرار الانتساب لـ"داعش"الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية جون ألترمان، قال إن تنظيم "داعش" وعلى الرغم من تراجعه في الميدان، يحاول منذ فترة طويلة تجنيد أعضاء عبر الإنترنت، ولكن دون نجاح يذكر.وقال في تصريحات صحفية: "لا يتطلب الأمر عملية ضخمة للعثور على أفراد يعانون من ضائقة شخصية وإعطائهم إحساسا بأن حياتهم يمكن أن يكون لها معنى أكبر".إذا الترجيح الأكبر أن يكون منفذ الهجوم ليلة رأس السنة قد تعرف وتواصل مع "داعش" عبر مواقع التواصل، فهل يعني أن كل من تسقط عليه القرعة قد يقع في قبضة تجنيد "داعش"؟المعالجة النفسية إيلّا إيمانويل، قالت في حديث لمنصة "المشهد" إن الضائقة المادية أو الوضع الاجتماعي والمادي يلعب دورا كبيرا في لجوء الناس لجماعات إرهابية، لكن ليس كل هؤلاء يلجأون لهذا الخيار، لافتة إلى دور الوضع النفسي وأن هناك شخصيات معينة مكونة منذ الصغر تلعب دورا في الانجرار وراء أفكار متطرفة.ومن أبرز أنواع الشخصيات المرجّح أن تنجرّ خلف التنظيمات الإرهابية أو إحداث مشاكل واضطرابات في المجتمع، وفق إيمانويل هي:النرجسيون: هم أشخاص يعتقدون أنهم محور العالم، ويشعرون بأنهم يستحقون امتيازات لا تُمنح لغيرهم. لديهم هوس بالقوة والسلطة، ويبحثون دائمًا عن الارتباط بأشخاص أقوياء. يتميزون بطبع استغلالي، ولا يكترثون لمشاعر الآخرين، كما أنهم يفتقرون إلى الندم أو التعاطف مع من يؤذونهم.الساديون: هم أشخاص يستمتعون بإلحاق الأذى أو إذلال الآخرين، ويشعرون بلذة عند رؤية الآخرين يتألمون.السيكوباتي: هو شخص يتصرف من دون أي اعتبار للقيم الأخلاقية أو الاجتماعية أو الدينية. لا يهتم بآراء الآخرين أو حقوقهم، ولا يميز بين الصواب والخطأ. من النادر جدًا أن يشعر بالندم على أفعاله الخاطئة، ويشتهر بالكذب والتلاعب لإلحاق الضرر بالغير.المكيافيلي: هو شخص متلاعب بطبعه، يسعى دائمًا للسيطرة، ويضع خططًا ذكية لتحقيق أهدافه الشخصية. يتعمد وضع الآخرين في مواقف صعبة لصالحه، ويحمل في داخله مشاعر حقد ورغبة في الانتقام، حتى لو استغرق ذلك سنوات.الطماعون: هم أشخاص يسعون للحصول على كل شيء لأنهم يشعرون بفراغ داخلي عميق. يحاولون ملء هذا الفراغ بالسعي وراء السلطة والمظاهر.وتابعت المعالجة النفسية أنه "ليس من الضروري أن يكون لديهم مشاكل نفسية ظاهرة بل قد تكون حياتهم طبيعية ولا يمكن ملاحظة أي اضطراب إلا بعد وقوع الكارثة". تغيّر بشكل مفاجئورجّحت أن يكون هذا ما حصل مع شمس الدين جبار، لأن عبد الرحيم جبار، الأخ غير الشقيق لمنفّذ الهجوم، أوضح أنه لم يلاحظ أي شيء غير عادي في آخر حديث بينهما قبل بضعة أسابيع، رغم علمه بالصعوبات التي كان يواجهها شمس الدين في إطلاق مشروع تجاري بعد طلاقه الثاني.وفي مقابلة أجراها عبد الرحيم من منزله في بومونت بولاية تكساس مع "رويترز"، قال: "ربما كان يبحث عن إجابات"، مشيرًا إلى أن أخاه، الذي اعتنق الإسلام مؤخرًا، كان قد تخلى عن دينه خلال فترة العشرينيات والثلاثينيات من عمره.وأضاف عبد الرحيم: "كان ذكياً ومضحكاً، يتمتع بشخصية قوية، وكان محبًا وعطوفًا ومتواضعًا، ولم يكن ليؤذي حتى ذبابة. لذلك كان ما حدث صادماً للغاية".في السياق، أوضحت إيمانويل أنه "صحيح أن الأزمات المادية قد تكون محفزا لتنفيذ هجوم لكنها ليست الأساس في الانجرار وراء هكذا تصرفات إجرامية ومتطرفة"، متابعة أن "حياة الأشخاص منذ طفولتهم قد تكون ممتلئة بالعقد، بالإضافة لتربية دينية متشددة أو متطرفة".وأكدت أن هؤلاء الأشخاص سهل اصطيادهم "أونلاين" من طرف الجماعات الإرهابية لأنهم جاهزون نفسيا للاستقطاب.(المشهد)