وكأنه لا يكفي الأطفال هول كارثة زلزال المغرب، المؤذية جسديا ونفسيا، حتى يأتي مؤثرو مواقع التواصل ويزيدون من أذيّتهم، من خلال تصويرهم ونشر صورهم وفيديوهاتهم للعالم بشكل يسيء إليهم.هذا الشكل الجديد القديم من استغلال الطفولة، أثار غضب الشارع المغربي، وتعالت الأصوات من أجل إيقاف ما وُصف بـ"المهزلة". وفي الإطار، رصدت اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه المغربية، مجموعة من المنشورات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في سياق حملات ومبادرات تضامنية مع ضحايا زلزال الحوز، تتضمن مضامين مسيئة خصوصا بفئة الأطفال والنساء الضحايا. وقالت اللجنة إنها قامت بإحالة هذه الحالات المرصودة على السلطات الأمنية، والجهات القضائية المعنية لاتخاذ اللازم، وأهابت بالجميع التبليغ عن كل الحالات المحتملة للاتجار بالبشر التي تم رصدها على الرقم الأخضر، للتبليغ عن الضحايا المحتملين للاتجار بالبشر. أطفال زلزال المغربفي الإطار، ذكرت المعالجة والطبيبة النفسية باسكال فغالي لمنصة "المشهد"، أنّ الكوارث الطبيعية تؤدي إلى صدمات نفسية لدى الأطفال"، مضيفة أنّ تصوير أطفال الكوارث ونشر الفيديوهات والصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يحمل أيضا تداعيات نفسية كبيرة عليهم. وأطلقت على هذا الأمر تسمية "صدمة ما بعد الصدمة الكبيرة"، فالصدمة الكبيرة تتمثل بالحدث أو الفاجعة التي وقعت، والصدمة الثانية تشمل رؤية الأطفال أنفسهم في الفيديوهات. وأوضحت أنّ الكوارث تسبب مشاكل نفسية مختلفة للأطفال وتشمل: الخوف من عيش الحالة مرة أخرى.نوبات الذعر.القلق الشديد والدائم.ولفتت إلى أنّ القلق المستمر يؤدي إلى حالات اكتئاب، وردات فعل تؤثر على الذاكرة والانتباه والتركيز، والانعزال، والتأخر المدرسي وغيرها.كلّ هذه الأعراض قد تزيد بعد رؤية أنفسهم في الفيديوهات، حيث تابعت أنّ فيديوهات الأطفال تجعلهم يعيشون الصدمة مرة ثانية، ما يزيد من حالتهم النفسية سوء. الطفل لا يحتاج لتصويره "نشر الفيديوهات حول الأحداث تتم بطرق غير مسؤولة"، وفق المعالجة النفسية، متابعة أنه في حال وجود أشخاص غير مؤهلين أو مثقفين على الأرض، سيتم تعريض الأطفال لمواقف مؤذية.وأوضحت أنّ المسألة تبدأ بعيش الطفل حالة من الانزعاج، وتصل الى حالة الصدمة الثانية عند رؤية نفسه في الفيديوهات. إذًا ماذا يحتاج الطفل في هكذا حال؟ أجابت فغالي أنه "يجب النزول لمستوى الطفل لا تصويره"، مضيفة أنّ الطفل لا يحتاج لتصويره، إنما يحتاج إلى أن يطمئن، أي أنه بأمان ولن يتكرر ما حصل معه.فالطفل في هذه الحالة بحاجة لشخص يقف إلى جانبه يعطيه الأمان والحنان، ويكلمه ويخبره أنّ ما حدث انتهى وهو بصحة جيدة وصمد، وفق فغالي.حب الظهور.. كارثةبالتالي، يتغنّى المؤثرون بأنهم يقدّمون المساعدات للأطفال أو الدعم من خلال تصويرهم، ويعتبرون أنّ هذا التصرف طبيعي. ورأت أنّ المؤثرين يعتقدون أنهم يقومون بعمل حميد، لكن في النهاية يتبيّن أنهم يركزون على أنفسهم.وفي السياق، ذكرت فغالي أنّ "الحالة هنا تختلف بين شخص وآخر، فهناك أشخاص معيّنون لديهم تركيبة شخصية تدفعهم لتصوير الأطفال ونشر الفيديوهات على صفحاتهم، فهم معتادون على تصوير أنفسهم ويومياتهم، بالتالي يحبون الظهور حتى في الأحداث البشعة".واعتبرت المتحدثة ذاتها، أنّ كلّ هذه التصرفات تشير إلى أنّ هؤلاء يأخذون ثقتهم من نسبة الإعجاب والمشاهدات والتعليقات، ما يزيد أيضا الثقة بقدراتهم. ووجهت المعالجة السؤال لهؤلاء قائلة: ما الفائدة التي تُقدّم للطفل عند تصويره وجعل الناس تُشفق عليه؟ معتبرة أن لا فائدة من التصوير سوى التسابق للنشر والفضول، متحدثة عن "عدوى اجتماعية" للتسابق حول من سيصور قبل الآخر، وحتى من سيشاهد الفيديوهات قبل الآخر.كلّ ما تقدّم، يشير إلى أهمية أن يتحلى كلّ شخص بسلطة رقابية ذاتية، ويحفظ كرامة الأطفال من دون تصويرهم ونشر الفيديوهات، والتخلي عن حبّ الظهور، لأنه لا يمكن للسلطات في أيّ بلد مراقبة كلّ شخص مباشرة على الأرض خلال الكوارث.التحدث مع الطفل"لا يجب ترك الأطفال على أنهم سينسون ما حدث لهم من تلقاء أنفسهم"، وفق فغالي التي شددت على أنّ من الواجب متابعتهم من طرف اختصاصيّين.من جهتها، شدّدت المعالجة النفسيّة للأطفال والاختصاصية في التوجيه التربوي رهام منذر، في حديث لمنصة "المشهد"، على أهمية الإصغاء للأطفال عما شعروا به خلال وقوع الزلزال، مشيرة إلى أهمية الغوص في تفاصيل مشاعر الطفل، من خلال فتح المجال أمامه للتعبير عن أدقّ التفاصيل".أما بالنسبة إلى الأطفال الذين لا يستطيعون التعبير عبر الكلام، فذكرت أنه يمكن مساعدتهم بالتعبير عبر الرسم أو الألعاب التعبيرية كالدمى المتحرّكة.(المشهد)