"وكأنها نهاية العالم" هذا ما شعر به سكان تركيا وسوريا عقب الزلزال المدمر الذي ضربهما ودول مجاورة فجر الاثنين.عدّاد الضحايا والجرحى لا يزال يرتفع كلّ دقيقة، وحتى الساعة أكثر من 5000 شخص توفي بينما جرح آلاف آخرين.هؤلاء خسروا عائلتهم، أحباءهم، منزلهم، الأمان، والمأوى، وطغت رائحة الموت والدمار على الأمان والسكون. كل ما تقدّم، ينعكس بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للجرحى وأهالي الضحايا.وفي هذا الإطار، كشفت المعالجة النفسية د. نيكول هاني لمنصة "المشهد" أنه "خلال حصول الصدمات أو الكوارث الفجائية قد تختلف نسبة التأثير بين شخص وآخر".وأشارت إلى أن عددا كبيرا من الأشخاص حول العالم يعانون من مشاكل بالصحة النفسية خصوصا المعاناة من القلق على درجاته. القلق الأزماتفي عام 2019، كان هناك 301 مليون شخص مصابين باضطراب القلق حول العالم، منهم 58 مليون طفل ومراهق وفق منظمة الصحة العالمية. واضطرابات القلق تتميّز بمشاعر الخوف المفرط والقلق والاضطرابات السلوكية. وهذا ما سيشعر به الأشخاص الذين تعرضوا لكارثة وأزمة كبيرة، مثل تلك التي تعرض لها الناجون في زلزال تركيا وسوريا.من هنا، أشارت هاني إلى أن "الأشخاص الذين يعانون من قلق مسبق ستزيد مستوياته لديهم عقب الأزمة وتظهر عليهم أعراض نفسية وجسدية أيضا". ومن أبرز الأعراض التي قد ترافق أي شخص عقب التعرض لأزمة وفق هاني هي: الخوف. القلق. التوتر. ضيق النفس. دقات القلب السريعة.من بقيَ تحت الأنقاض لساعاتلا يزال عشرات الأشخاص عالقين تحت الأنقاض والدمار في تركيا وسوريا وسط برد الشتاء القارس. وفي الساعات الماضية، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق لحظة انتشال طفلة حية من تحت الأنقاض بمدينة أورفة التركية. وبدا واضحا على وجه الطفلة الخوف والبرد والضياع، كما بدا ذلك على وجه كلّ من تم انقاذه.وهذا ما يسمى "اضطراب ما بعد الصدمة"، وهنا ذكرت هاني أن "اضطراب ما بعد الصدمة وهو أمر صعب، وهو يصيب الأطفال أو حتى البالغين الذين عايشوا أجواء وأزمات صعبة ورأوا القتلى والدمار". وعن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ذكرت أنه قد يشعر هؤلاء الأشخاص بالعزلة، الحزن الشديد، الخوف بسرعة، وغيرها من الأعراض.بالنسبة الأطفال، فهم لا يعلمون كيفية التعبير، فتظهر الأعراض على شكل خوف شديد، ألم في البطن، وبكاء. أما بالنسبة إلى البالغين فتبرز عوارض جسدية كسرغة دقات قلب. وأوضحت المعالجة النفسية أنه "عند المعاناة من اضطراب ما بعد الصدمة سيبقى الشخص يتذكر المشهد الذي عاشه".العلاج ضروري"العلاج والدعم النفسي مهمان لمن عاش الأزمات والصدمة من أجل تطمينه وتهدئته"، هكذا اختصرت هاني أهمية دور المعالجين النفسيين لمساعدة هؤلاء الأشخاص. ومن التوصيات الأخرى التي قدّمتها لهم: الانتباه للنظام الغذائي. عند الشعور بأعراض قوية من الضروري التوجه إلى المعالج المختص. تجنّب مواقع التواصل الاجتماعي والأخبار السلبية.ممارسة الرياضة. الاستماع للموسيقى. أما بالنسبة إلى الأطفال، فنشرت منظّمة الـ"يونيسيف" نصائح لمساعدة الأطفال والمراهقين على التأقلم بعد الزلزال. تشجيع الأطفال على التعبير. توفير مساحة آمنة لهم. تقبّل صحّة مشاعرهم. التقليل من تعرّضهم لوسائل الإعلام. منحهم الشعور بالسيطرة. طلب الإحالات من مختصّين.اعتناء الأهل بأنفسهم ورفاههم.وأكدت المتحدثة أن "الصحة النفسية هي معيار الجسم لأنها تؤثر على حياة الشخص ومحيطه وعمله وعائلتهـ لكن لا توعية كافية على الصحة النفسية رغم أنها الأهم للاستمرار بالحياة اليومية بشكل طبيعي".ماذا عمّن يشاهد الأخبار؟لا يقف شعور القلق والخوف عند من عاش الأزمة، إنما يصل إلى من يشاهد الأخبار. فملايين فيديوهات الدمار والقتلى والجرحى انتشرت منذ أمس على مواقع التواصل الاجتماعي عن زلزال تركيا وسوريا شاهدها الملايين أيضاً. ووفق دراسات سابقة، فالاستهلاك المفرط للأخبار يمكن أن يكون مصدرًا إضافيًا للتوتر. وهذا ما توافق مع كلام المتحدثة، التي دعت إلى تجنّب الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الأزمات، خصوصا لمن يعاني من حالات سابقة من القلق. ولفتت إلى أن "مواقع التواصل تزيد من خوف وقلق الأشخاص كما أن القلق معدٍ من شخص لآخر عند انتشار الحديث عن الأزمات".بالمحصلة، لا تعدّ مرحلة ما يعد الأزمة أو الكارثة سهلة لما تحمله من إعادة بناء للصحة النفسية للفرد، إلا أنها ليست مستحيلة.(المشهد)