في خطوة مثيرة للجدل خلال فترته الانتقالية، كثف الرئيس الأميركي جو بايدن دعم بلاده لأوكرانيا من خلال الموافقة على نشر مقاولين عسكريين ونقل ألغام مضادة للأفراد والسماح باستخدام صواريخ "أتاكمز" أميركية الصنع لشن ضربات داخل روسيا. وتستهدف هذه الإجراءات تعزيز دفاعات أوكرانيا قبل تولي خليفة بايدن الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة، إلا أنها تخاطر بالتعرض لانتقادات دولية، خاصة إذا فشلت الصواريخ الغربية. فقد ردت روسيا باختبار صاروخ "أوريشنيك" الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، ليؤكد بذلك قوته مع تجنب تصعيد أوسع نطاقا. الحرب في أوكرانياوفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأميركية، قالت الباحثة الزائرة بمعهد روسيا التابع لكلية كينجز كوليدج لندن، ومؤلفة كتاب "خلال أوقات المتاعب" الدكتورة آنا ماتفيفا، إن بايدن لم يلتزم الحذر وقرر استغلال الفترة الانتقالية لزيادة مخاطر الحرب في أوكرانيا. فقد سمح بانتشار المقاولين العسكريين الأميركيين داخل أوكرانيا ونقل ألغاما مضادة للأفراد إلى أوكرانيا. ولا تعد هذه الخطوة الأخيرة عملا غير قانوني نظرا لأن الولايات المتحدة لم توقع مطلقا على اتفاقية أوتاوا، إلا أنها تظل موضع شك من الناحية الأخلاقية. وبشكل عام، فإن الرغبة في تعظيم دعم أميركا لحليفتها واضحة لكي تتمكن أوكرانيا من الصمود لفترة بعد انتهاء ولاية بايدن في البيت الأبيض. ومن المتوقع أن يتم تقديم المزيد من الدعم.ومن الناحية العسكرية، من غير المرجح أن تغير صواريخ "أتاكمز" وصواريخ "ستورم شادو" البريطانية الصنع الأوضاع في أوكرانيا، حيث أن الجيش الروسي على دراية بها من المعارك التي خاضها من قبل ومن المتوقع أن تكون روسيا قد أبعدت أصولها القيمة من المدى الذي تصل إليه هذه الصواريخ. ولا تمتلك أوكرانيا مخزونات كبيرة من الصواريخ، وتكمن أولويتها في الدفاع عن أراضيها بدلا من الاحتفاظ بموطئ قدم في منطقة كورسك الروسية إلى أجل غير مسمى.وترى الدكتورة ماتفيفا التي عملت لدى الأمم المتحدة وعاشت في آسيا الوسطى بصفتها المستشارة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعني بالسلام والتنمية، أنه إذا حدث خطا في الملاحة وتسبب في سقوط صاروخ غربي على روضة أطفال روسية، فسيضيف هذا إلى تضرر سمعة الغرب على الصعيد الدولي.وأشارت ماتفيفا إلى أن الأمر الواضح هو أن بايدن عازم على ترك إرث معقد في السياسة الخارجية لخليفته قدر الإمكان وعرقلة طموحات ترامب لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا.وظهر الانطباع بأنه يحاول استفزاز روسيا للقيام برد فعل متهور، يجعل مفاوضات السلام مع بوتين صعبة للغاية، حتى بالنسبة لترامب. ولا يستند نهج الرئيس القادم إزاء الصراع إلى هزيمة روسيا، لكنه قد لا يكون قادرا على تحمل تصعيد خطير. وهذا ما تردد أن ترامب حذر بوتين من القيام به.وهكذا فإن الضربات التي وافقت عليها الولايات المتحدة على منطقتي كورسك وبريانسك الروسيتين يومي 19 و21 نوفمبر وضعت موسكو أمام معضلة: إما الرد بقوة والتخلي عن آمال السلام أو ابتلاع كبريائها والانتظار لمدة شهرين حتي تنصيب ترامب. ونظرا لأن بوتين يحقق النجاح لأنه يفعل ما يقول، فإنه لا يمكن أن يترك ضربة تمر دون أن يرد عليهاـ وإلا فإن صورة القوة الروسية ستتضرر وستفقد تهديداتها للغرب مصداقيتها. وكان يتعين على بوتين أن يتحرك، على الأقل بدافع احترام الذات.وقالت ماتفيفا إن موسكو اختارت الرد في ساحة المعركة الحالية بدلا من مهاجمة مصالح غربية في مختلف أنحاء العالم. وقد حققت روسيا هذا الغرض من خلال إطلاق الصاروخ "أوريشنيك" الباليستي متوسط المدى الذي تفوق سرعته سرعة الصوت وبدون رأس حربية نووية على أوكرانيا المدمرة بالكامل. فقد أظهر هذا الهجوم قوة روسيا دون أن يتسبب في ضرر جسيم. وأظهرت روسيا أن لديها سلاحا، كشفت عنه في السابق، وأنها مستعدة لاستخدامه.وقد كانت عملية إطلاق الصاروخ تجربة مذهلة وناجحة وإن كانت محفوفة بالمخاطر. فقد نجح الصاروخ في اختبار ظروف القتال ووصل إلى هدفه وهو منشأة "يوجماش" الأوكرانية للإنتاج العسكري في دنيبرو دون أن يتم اعتراضه.وأشارت ماتفيفا إلى أن الأمر المشجع هو أن نظام التحذير الروسي الأمريكي أثبت نجاحه، فقد أصدر المركز الروسي للحد من الخطر النووي إشارة إخطار مسبق إلى نظيره الأمريكي قبل ثلاثين دقيقة من الإطلاق لكي يعرف نظام تتبع الصواريخ الأمريكي أن هذا الإطلاق لم يكن نوويا.وحذر بوتين الذي اكتسب جرأة من أنه يمكن أن يكون هناك المزيد من تجارب إطلاق الصواريخ، وذلك بناء على الطريقة التي سيتصرف بها الغرب، في إشارة واضحة إلى دعوات بعض السياسيين الأوروبيين لإرسال قواتهم إلى أوكرانيا.واختتمت ماتفيفا تحليلها بالقول إن هذه الأحداث أظهرت أن انتقال السلطة في الولايات المتحدة يمثل فترة غير مستقرة للغاية قد تشهد تصعيدا كبيرا. ويبدو أن الضمانة الرئيسية ضد اندلاع حرب كبرى هي وجود العقل في موسكو وليس الحكمة الصادرة من واشنطن. فهل مات فن الدبلوماسية الدفاعية في الغرب؟ لقد زاد الطلب عليه الآن.(د ب أ)