"فعلت كلّ شيء كي لا يرى أولادي الجثث.. لأنّهم مصدومون بالفعل"، هذا ما قاله الشاب السوداني علويّة الطيب في حديث صحافي خلال هروبه من الخرطوم إثر المعارك في السودان. في مشهد لا يمت للإنسانية بصلة، تنتشر الجثث على الطرقات إثر المعارك الدامية بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، والجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في السودان. كما انتشرت فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر جثثا ملقاة في شارع بالخرطوم، حيث ذكر مصور الفيديو أن الجثث ملقاة منذ فترة حتى انتفخت وفاحت رائحتها دون دفنها.وقال أحد الأطباء السودانيين، لوكالة "تاس" أن الناس تموت حتى في بيوتها، لأننا لا نستطيع إجلاءها، ويستحال دفنها، الجثث مكدسة منذ 3 أو 4 أيام".جثث في كلّ مكان"ابتداء من 48 ساعة بعد الوفاة تبدأ الجثة بالتحلل في الطقس المعتدل"، وفق الطبيب الشرعي جبرايل مشعلاني لمنصة "المشهد"، الذي يشير إلى أنه في حالات الطقس الساخن والرطب تتحل بسرعة أكبر. في هذا الإطار، يقول مشعلاني أنه بعد تحلّل الجثث واهترائها تحدث الالتهابات فيها، وهذه الالتهابات قد تنتقل إلى الآخرين بطريقتين.الطريقة المباشرةتكمن هذه الطريقة بانتقال البكتيريا والفيروسات عبر الاحتكاك المباشر مع الجثة.الطريقة غير المباشرةلكن الخطر الأكبر، وفق مشعلاني، هو انتقالها عبر الحيونات الشاردة كالكلاب التي تأكل الأمعاء أو الطيور على أنواعها التي تأكل أيضا من الجثث المتعفنة وتنقل الميكروبات للبشر، وهذا يحصل إما عن طريق تناول الطيور أو عند اللمس، أو حتى عن طريق البزار الخاص بالطير إن كان على الخضار أو على أماكن عامة يمكن أن يلمسها أي شخص". أي أمراض تنتقل؟ لا يمكن تسمية مرض واحد تنقله الجثث المتحللة في البيئات المفتوحة، في حال وجود أمراض مستوطنة في البلد حيث وقعت الكارثة كالكوليرا أو الطاعون أو التيفوئيد وغيرها.وقد يكون بعض الضحايا مصابين بأمراض مزمنة ينقلها الدم مثل التهاب الكبد الوبائي أو فيروس نقص المناعة البشرية أو داء السل أو أمراض معدية أخرى، وفق تقرير "إدارة الجثث بعد وقوع الكوارث" للجنة الدولية للصليب الأحمر.وهنا يشير مشعلاني إلى أن "الجثة المهترئة تنقل كل ما يخطر على البال من أمراض وصولا إلى فيروس نقص المناعة البشرية أو الصفيرة مثلا".بينما يشير رئيس قسم الأمراض الجرثومية في مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت بيار أبي حنا لمنصة "المشهد" إلى أن "تكاثر الجثث على الطرقات لوقت طويل يرفع من خطر انتشار الأمراض المعدية مثل الكوليرا في حال وجودها بالسودان".ويوضح أنه عندما تتحلل الجثة تتكاثر الحشرات، وتنبعث الروائح الكريهة"، مشيرا إلى أن "انتشار الأمراض الجرثومية ترتفع بسبب الذباب والحشرات".اضطراب ما بعد الصدمةولا تتوقف مشكلة رؤية الجثث في الشوارع عند المنحى الجسدي بل تتعداه إلى الأذى النفسي، حيث يشير أبي حنا إلى أنه بعيدا من المشاكل الجرثومية، فالضرر النفسي على من يشاهد هذه الجثث كبير جدا.من هنا، من الممكن أن يصاب أي شخص، خصوصا الأطفال، باضطراب ما بعد الصدمة نتيجة مشاهدة جثث أشخاص غرباء، ما يلقي الضوء على أهمية العلاج النفسي في مراحل لاحقة.وتشمل بعض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة في هذه الحالة وفق "suicidecleanup":رؤية الكوابيس.اليقظة المفرطة.الشعور بعدم الأمانالاكتئاب.مشاكل بالنوم.الخوف بسهولة.تغيرات بالسلوك.توقف الخدمات الصحيةكلّ ما تقدّم، يشير إلى الحقيقة الفعلية والمقلقة لما وصل إليها الوضع الصحي والإغاثي في السودان.ووفق وزارة الصحة الإتحادية السودانية، يواجه القطاع الصحي انهيارا بسبب تضاؤل إمدادات الطاقة والمستشفيات والنقص الحاد لأكياس الدم.بينما أعلن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، توقف الأنشطة الإنسانية في ولايات عدة وإغلاق مستشفيات جراء انعدام الأمن، لافتا إلى نفاد الإمدادات الطبية في مستشفيات الخرطوم.بالمحصلة من المهم التذكر بأهمية احترام كرامة الموتى ومشاعر أهلهم أمر مقدس، وفق التقرير الدولي، الذي دعا للتعامل السليم مع الجثث.ونختم مع قول مستشار الطب الشرعي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف موريس تيدبال بينز، بأن "التعامل السليم مع أجساد الموتى لا يقل أهمية عن عمليات الانقاذ ورعاية الناجين وتقديم الخدمات الأساسية لهم".(المشهد)