ضمن قائمة تضم 10 مخاطر جاءت في تقرير "المخاطر العالمية 2023" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وضع انتشار الجرائم الإلكترونية وانعدام الأمن السيبراني في المرتبة 8 كإحدى المخاطر الرئيسية التي تهدد العالم على المدى القصير وطويل الأجل. التقرير الذي أُصدر قبل أيام قليلة، أشار إلى أن العقد المقبل سيشهد المزيد من التطورات المتسارعة في قطاع التكنولوجيا مدفوعة بالأهداف المركزية لسياسات صناعية أقوى للبلدان ودعم قوي من الحكومات في مختلف القطاعات، مما يؤدي إلى تطورات هائلة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والتكنولوجيا الحيوية. لكنه حذر من أن كل هذا التقدم ونشر التقنيات الجديدة سيجلب معه مجموعة من المخاطر، خصوصا مع تداخل التكنولوجيا في الأداء الحيوي للمجتمعات ليشكل تهديدا مباشرا لها. وتوقع التقرير ارتفاع معدلات الجريمة السيبرانية مع سعي المهاجمين لتعطيل موارد الخدمات الحيوية المدعومة بالتكنولوجيا في قطاعات الزراعة والمياه والأنظمة المالية والأمن العام والنقل والطاقة والبنية التحتية للاتصالات أو حتى القائمة على الأقمار الصناعية. تحذيرات المنتدى الاقتصادي العالمي خلال الأيام القليلة الماضية لم تُكن الأولى، إذ جاء على لسان مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي قولها إنه لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين فيما يتعلق بالاقتصاد العالمي، بما في ذلك "هجوم سيبراني كبير" أو خطر تصعيد الحرب الروسية الأوكرانية من خلال استخدام الأسلحة النوعية. وفي تقرير نشرته مؤخرا صحيفة "واشنطن بوست" نقلا عن الدراسة الاستقصائية السنوية للأولويات الوقائية التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأميركي (CFR)، والتي تتضمن آراء أكثر من 500 مسؤول حكومي وصانعي السياسات والأكاديميين في الولايات المتحدة حول احتمالية وقوع أحداث معينة هذا العام تؤثر على المصالح الأميركية، أشارت التوقعات إلى قائمة بـ 7 تهديدات أكثر إلحاحا، وعلى رأسها هجوم سيبراني يضرب البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة. خبير الأمن السيبراني الكويتي محمد الرشيدي قال في حديثه مع منصة "المشهد": "كل التوقعات تشير إلى هجوم سيبراني كبير قد يشهده العالم خلال 2023، الأحداث السياسية الحالية كُلها تشير إلى حدوث ذلك، شيء ما حدث قبل أيام في الولايات المتحدة وبريطانيا، هذا يحمل شبهة أن يكون هجوما سيبرانيا، لكن لا يوجد شيء مؤكد حتى الآن". وقبل أيام تعرضت المطارات الأميركية لشلل تام نتيجة ما أرجعته إدارة الطيران الاتحادية في بيان إلى خلل فني بالنظام قبل أن يتم إصلاحه، حيث تسبب بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن "موقع فلايت أوير" الإلكتروني لتتبع حركة الطائرات، في تأخر أكثر من 5400 رحلة وأُلغيت 900 رحلة. تلى ذلك بساعات تعطل خدمات البريد البريطاني، مع إعلان مجموعة البريد الملكي البريطاني أن حادثا إلكترونيا تسبب في "اضطراب شديد في الخدمة" للصادرات الدولية، حيث أبلغت الشركة المركز الوطني للأمن السيبراني التابع للحكومة للتعامل مع هذا الحادث، بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان".الهجمات لا تتوقف بدوره، يقول الباحث الأردني في أمن المعلومات رمزي الريحاني، في حديثه مع منصة "المشهد": "الهجمات السيبرانية لا تتوقف هناك (..) هجمات بشكل يومي في أغلب أنحاء العالم، لكن المقلق أنها تتزايد من شهر إلى آخر". وتضاعفت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الهجمات الإلكترونية خلال 6 أعوام، لتسجل في عام 2021 نحو 6 تريليونات دولار، مرتفعة من 3 تريليونات في عام 2015، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة "Cybersecurity Ventures" الأميركية والتي تتوقع أيضا المزيد من الخسائر الاقتصادية العالمية لتصل إلى 10.5 تريليونات دولار سنويا بحلول عام 2025. من جهته يضيف الرشيدي أن "خطورة الهجمات السيبرانية تكمن في أنها قد تشل الاقتصادي وتوقف حياة مئات الملايين من البشر في دقائق"، مشيرا إلى أن هذا قد يحدث من قبل فريق من المهاجمين لا يتعدى عددهم أصابع اليدين. و"العديد من الدول توظف جيوشا رقمية لخدمتها وحماية أمنها الإلكترونية"، على حد تعبير الريحاني. وتابع بالقول: "الحكومات تتبنى حاليا مبادرات جديدة للأمن السيبراني تشمل سن قوانين وبروتوكولات جديدة لمكافحة التهديدات المتزايدة، خصوصا مع استمرار التهديدات واتخاذها أشكال ودرجات متنوعة (..) الدول الأكثر تقدما تقنيا واقتصاديا مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا يتبنون تقنيات أمن سيبراني أكثر تطورا". وإلى جانب التكتيكات العسكرية التقليدية، شهدت الحرب الروسية الأوكرانية تطورا كبيرا على صعيد التقنيات الذكية والمتطورة، من بينها معارك سيبرانية متبادلة بين الطرفين، إذ يشير تقرير نشرته كييف مؤخرا إلى شن موسكو هجمات سيبرانية مباشرة على البنى التحتية العسكرية والمدنية بلغت نحو 2100 هجوم إلكتروني منفصل خلال العام الماضي. ملامح الفوضىووضع خبير الأمن السيبراني الكويتي في حديثه ملامح محتملة لتأثيرات الهجمات السيبرانية الكبرى على البلدان حال حدوثها، وما تخلفه من فوضى هائلة في مختلف القطاعات، والتي من أبرزها ما يلي: السيطرة بشكل كامل على الأنظمة الذكية والبنى التحتية العسكرية والتي من بينها المقاتلات الجوية والسفن البحرية وأنظمة الصواريخ. السيطرة على البنى التحتية والأنظمة الحكومية، بما يمكنهم من التحكم في إمدادات الطاقة والكهرباء والمياه. شل الأنظمة المصرفية والمالية مما قد يؤدي إلى دخول الاقتصاد في أزمة حادة. توقف قطاع النقل بشكل كامل بما يشمل المطارات والسكك الحديدية وغيرها. ويضيف الرشيدي: "لك أن تتخيل حجم الفوضى التي ستحدث لدولة في حال تعرضها لهجوم سيبراني كبير (..) سيحدث شلل تام في كل مرافق وأنظمة الدولة سواء المدنية أو العسكرية، سيكون الأفراد هم الضحية الأولى، وستكون التكاليف والخسائر الاقتصادية هائلة". صد الهجمات وعن الاستعدادات وطريقة التصدي لمثل هذه الهجمات الكبرى التي يصفها الخبراء والباحثون في مجال الأمن السيبراني بأنها "حروب المستقبل"، يقول الرشيدي إن العديد من البلدان بدأت خلال السنوات القليلة الماضية في إنشاء مراكز للأمن السيبراني، وفي مقدمتها بلدان عربية. وأضاف أن مراكز الأمن السيبراني هي بمثابة خط الدفاع الأول و"جيش الدفاع الإلكتروني" للحكومات، إذ تساعد بشكل رئيسي على تفادي الهجمات والمخاطر الإلكترونية المتزايدة. بدوره، يضيف الريحاني أن "العديد من البلدان وفي مقدمتها الولايات المتحدة تتخذ تدابير أكثر صرامة فيما يتعلق بالأمن السيبراني، حيث إن مراكزها المتخصصة تنشر من وقت إلى آخر مبادئ توجيهية لمساعدة المنظمات الحكومية والخاصة على حماية نفسها من الهجمات السيبرانية، وفي نفس الوقت تشدد على ضرورة الإبلاغ الفوري في حالة حدوث هجمات أو جرائم إلكترونية". ويختتم الباحث الأردني في أمن المعلومات حديثه: "ليست كل تدابير الأمن السيبراني التي تستخدمها الحكومة دفاعية (..) فمثلا هناك كوريا الشمالية تقوم بهجمات إلكترونية واسعة للحصول على معلومات حساسة من منظمات دولية وبلدان أخرى". (المشهد)