دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل حيّز التنفيذ فجر اليوم الأربعاء، عقب حرب دامية بين الطرفين لأكثر من عام خسر خلالها الحزب أغلب قياداته وتعرض لضربات قوية، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل الحزب خلال السنوات المقبلة.ويطالب السياسيون في لبنان الحزب بتسليم سلاحه والعمل كحزب سياسيّ في إطار الطائف، وعدم "العمل كدويلة داخل الدولة"، لكن السؤال الأكبر الذي يطرحه المراقبون هل الدولة اللبنانية قادرة على فرض ذلك على الحزب؟قبل الحرب، كانت ترتكز القوة العسكرية لـ"حزب الله" على ترسانة ضخمة من الصواريخ، والمسيّرات وآلاف المقاتلين، لكن الجيش الإسرائيلي يقول إنه دمر عددًا كبيرًا من أسلحة الحزب بضرباته الدقيقة على مستودعاته ومواقعه العسكرية، وسط صمت "حزب الله" عن خسائره."لن يسلم سلاحه"من جانبه، يرى المحلل السياسي محمد علوش في حديث لمنصة "المشهد" أن "المقاومة" مستمرة طالما هناك عدو إسرائيلي، ولديه مشاريع للتوسع في لبنان"، معتبرا أن "هذه المشاريع تأكدت خلال الحرب بعد تصريحات مسؤولين إسرائيليين تحدثوا عن الجنوب اللبناني وكأنه جزء من إسرائيل وبالإضافة لنيتهم باستعادة الأرض".وأشار علوش إلى أن "سلاح الحزب لمواجهة المشروع الإسرائيلي سيبقى موجودا طالما ظروف وجوده لم تتغير".من جهته، قال الكاتب والمحلل سياسي جان فغالي: "تقديري أن في المرحلة الأولى لن يسلم حزب الله سلاحه".وتابع فغالي لمنصة "المشهد" أن "الاتفاق الذي تم الإعلان عنه لا يعطي أي دور لسلاح "حزب الله" بل لا يعترف به، بالنسبة إلى جنوب نهر الليطاني ليس هناك سوى انتشار للجيش وقوات الطوارئ الدولية، أما بالنسبة لشمال الليطاني فينص الاتفاق على منع أي جمع للأسلحة وضبط الحدود بين لبنان وسوريا ومنع إدخال أيّ سلاح من سوريا إلى لبنان".وفقًا لبيان مشترك من الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، فإنّ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان "سيوجد ظروفًا ويمهد الطريق لاستعادة الهدوء المستمر والدائم والسماح لسكان كلا البلدين بالعودة بأمان إلى مساكنهم على جانبي الخط الأزرق"، في إشارة منهما إلى الحدود بين لبنان وإسرائيل.من جهتها، ستعمل الولايات المتحدة الأميركية مع فرنسا مع الجانب اللبنانيّ والجانب الإسرائيلي، لضمان تنفيذ شروط اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وإنفاذها بالكامل.لكن لغاية الساعة لم يصدر "حزب الله" أي بيان تعليقا على وقف اطلاق النار، بالتزامن مع طرح العديد من الأسئلة حول مصيره العسكري والسياسي.مستقبل "حزب الله" السياسي أما عن المستقبل السياسي للحزب، قال علوش إن "المستقبل السياسي لـ"حزب الله" تحدد مؤخرا بالانتخابات النيابية الأخيرة بعد حصوله على أكبر عدد أصوات، وفي أي انتخابات أخرى النتيجة لن تتغير".وتابع أن " الأمين العام نعيم قاسم حدد طريقة التعاطي السياسي تحت اتفاق الطائف والتمسك بالبلد ووحدته وانفتاحه على مسألة انتخاب رئيس للجمهورية بعد سقوط محاولات انتخاب رئيس تحت النار لإيصال رئيس يمثل طموحاته".كان الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم تحدث في خطابه الأخير الشهر الحالي عن عمله السياسي بعد انتهاء الحرب وهي معالجة أزمة الشغور الرئاسي والالتزام في خطواته الداخلية بإطار اتفاق الطائف.ومنذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، في أكتوبر 2022، فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس جديد للبلاد؛ بسبب خلافات بين الفرقاء السياسيين.و"اتفاق الطائف"، وقعته قوى لبنانية في مدينة الطائف السعودية عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 سنة، ووزعت على أساسه السلطة على الطوائف.من جانبه، اعتبر فغالي أن "مقولة أن "حزب الله" -دويلة داخل دولة- لن تكون بعد اليوم كونه سيتحول لحزب سياسي وهنا التحدي الأكبر له".وتابع أن "منذ تأسيسه لم يختبر الحزب أن يكون حزبا سياسيا فقط، بل كان عسكريا استخباراتيا وكانت لديه بنية عسكرية ومالية وانتشار جنوب لبنان، أما اليوم لن يكون حزبًا عسكريًا إنما حزب سياسي لديه نواب ووزراء أما غير ذلك فلن يتسطيع أن يفعله".خسارة القيادات في 28 سبتمبر الماضي، أعلن "حزب الله" مقتل أمينه العام حسن نصر الله، في غارة إسرائيلية استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية، مساء الجمعة.واعترف قاسم في أحد خطاباته أن الحزب ضعف لنحو أسبوعين عقب مقتل نصرالله، لكنه عاد ولملم نفسه واستمر بعمله ضدّ إسرائيل التي اغتالت عشرات قيادات الصف الأول والثاني في "حزب الله"وعن خسارة أكبر القيادات، قال علوش إن "حزب الله" معتاد على تقديم التضحيات وتقديم "الشهداء" في سبيل القضية التي يؤمن بها، متابعا أنها هذه ليست المرة الأولى التي يخسر الحزب أمينه العام، فسبق أن قتل عباس الموسوي -الذي كان أمين الحزب قبل نصرالله-".وأشار إلى أن الحزب "استعاد قوته ونظّم صفوفه ونشهد استمرارًا في تعبئة كل الفراغات التي خلقتها الحرب وستستمر المسيرة من خلال الدعم الشعبي والبيئة المحيطة به".بينما كان لدى فغالي رأي آخر، لافتًا إلى أن "خسارة قيادات الحزب هو اختبار جديد له، وهو يستطيع أن يرمم تركيبته السياسية لكن دون أن يرمم تركيبته العسكرية".بالمحصلة، يمكن القول إن الغموض والمصير غير الواضح يشوب المرحلة المقبلة في لبنان، ودور "حزب الله" داخل البلاد، وفق مراقبين، مشيرين إلى أنه في الأيام والأشهر المقبلة ستتضح الصورة وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار.يذكر أن "حزب الله" تعرض لانتقادات داخلية قوية بسبب قراره المنفرد الدخول في حرب مع إسرائيل دون استشارة الدولة اللبنانية.(المشهد)