دفع الهجوم الجوّي الذي أسفر عن مقتل 3 جنود أميركيّين وإصابة عدد آخر منهم على الحدود الأردنية- السورية، المواجهة الصامتة بين إيران والولايات المتحدة إلى مستوًى جديد خطير، في ظل المخاوف من طبيعة الردّ الأميركيّ المنتظر على الهجوم الذي تقول واشنطن إنّ وراءه فصائل مسلحة موالية لطهران. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه "سيحاسب كل من له صلة" بسلسلة الهجمات التي تعرضت لها القوات الأميركية في الشرق الأوسط خلال الأيام الماضية، محمّلًا مليشيات موالية لإيران المسؤولية عن هذه الهجمات.الخيار الأقوى لمواجهة إيرانوفي تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء، يقول المحلل السياسيّ خافيير بلاس إنّ وزارة الدفاع الأميركية ستقدم بلا شك للبيت الأبيض الخيارات العسكرية المتاحة للردّ على الهجمات، لكن هناك طريقة أخرى يمكن أن تصبح أقوى تأثيرًا، وهي "غلق صنبور البترودولار" لإيران. وخلال العام الماضي تقريبًا تمكنت إيران من زيادة إنتاجها النفطيّ إلى 3.2 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى له منذ 5 سنوات، لتحقق إيرادات بمليارات الدولارات. ويأتي ذلك رغم أنّ قطاع النفط الإيرانيّ بشكل خاص، هو المستهدف بالعقوبات الأميركية على الأقل من الناحية الرسمية. وهذه الأموال الإضافية التي تجنيها إيران تصل إلى حلفائها في سوريا والعراق واليمن ولبنان. ويقول بلاس إنه لا يمكن تقدير عائدات إيران النفطية الإضافية بدقة "لكن حساباتي التقديرية، تشير إلى أنّ إيران حصلت على إيرادات تبلغ نحو 10 مليارات دولار في العام الماضي بفضل زيادة إنتاجها النفطي". وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، زاد إنتاج إيران خلال العام الماضي بمقدار 445 ألف برميل يوميًا عن العام السابق، وهو ما جعلها ثاني أكبر مصدر للزيادة في إمدادات النفط العالمية بعد قطاع الزيت الصخري في الولايات المتحدة. وبلغ متوسط سعر خام برنت القياسي للنفط العالميّ في العام الماضي 82 دولارًا للبرميل، لكنّ طهران مضطرة لبيع نفطها بسعر مخفض للمشترين في دول مثل الصين. ويمكن الافتراض جدلًا أنّ إيران باعت نفطها الخام بخفض يبلغ 20 دولارًا للبرميل أي بسعر 62 دولارًا، وهو ما يعني تحقيقها لإيرادات إضافية تزيد على 10 مليارات دولار. وفي العام الماضي باعت إيران أيضًا نحو 80 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات النفطية المخزنة في مستودعات عائمة، وهذه المبيعات حققت إيرادات إضافية بقيمة 5 مليارات دولار، بحسب "بلومبيرغ".والحقيقة أنّ نجاح إيران في زيادة إنتاجها النفطيّ رغم استمرار العقوبات الأميركية عليها، أمر مثير للجدل، وإن كان يمكن القول إنّ السبب في ذلك هو محاولة إقناعها بالعودة إلى مائدة المفاوضات بشأن برنامجها النووي.إيران تزيد إنتاج النفطومنذ وصول بايدن إلى السلطة زاد إنتاج إيران من النفط بنحو 50%. وبالطبع ساعدت زيادة إنتاج النفط الإيرانيّ في خفض أسعار الخام في السوق العالمية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر المقبل. أما النظرية الثانية فتقول إنّ إدارة بايدن اضطرت لعقد صفقة مع الشيطان، ففي العام الماضي كانت الأولوية في واشنطن هي خفض أسعار النفط لحرمان الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، من جني عائدات كبيرة من صادرات بلاده النفطية لتمويل حربه ضد أوكرانيا، وكانت زيادة النفط الإيرانيّ السبيل الوحيد لتحقيق هذا الهدف، وفقًا لـ"بلومبيرغ".وهناك نظرية ثالثة تقول إنّ إيران أصبحت أذكى، ووجدت طرقًا للالتفاف على العقوبات، وإنّ واشنطن غير قادرة على سدّ الثغرة التي تنفذ منها. ومهما كان السبب يمكن القول إنّ الإدارة الأميركية تبدو متواطئة سواء بسبب العجز أو عدم الكفاءة في التعامل مع الملف الإيراني، حتى أصبحت أميركا تدعم إيران في حربها ضد أميركا بحسب ما يقول خافيير بلاس. وفي الواقع يمكن القول إنّ النظريات الثلاث المفسرة لزيادة عائدات إيران من النفط تلعب دورًا، حيث إنّ إيران تستغل السوق السوداء المتنامية لبيع النفط بعيدًا عن العقوبات الأميركية، وفي الوقت نفسه لا يبذل الأميركيون الجهد المطلوب لوقف هذه الممارسات. وفي نوفمبر الماضي على سبيل المثال، وعد البيت الأبيض بخفض صادرات النفط الإيراني. لكن لم يحدث أيّ شيء يشير إلى أنّ إدارة بايدن تحاول تحقيق هذا الهدف بشكل جدّي. وفي العام الماضي، ربما تكون واشنطن قد رأت أنّ تحقيق هدف الإضرار بعائدات النفط الروسية يحتاج إلى قبول زيادة إنتاج إيران من الخام. ويقول بلاس إنّ إجبار إيران على خفض إنتاجها النفطيّ أمر ممكن، بمجرد تعزيز العقوبات الأميركية مجددًا، والبدء بمعاقبة كل ناقلات النفط العاملة في ما يُعرف باسم "الأسطول المظلم"، والتي تخدم دولًا خاضعة للعقوبات مثل روسيا وإيران وفنزويلا. ولم يتم تحديد سوى ربع هذه الناقلات تقريبًا باعتبارها "أسطول مظلم" يعمل بطرق غير قانونية. وبدون أيّ تحرك أميركي، فإنّ إيران ستجني المزيد من الأموال. وفي تقريرها الشهريّ حذرت وكالة الطاقة الدولية من أنّ إيران يمكن أن تسجل نموًا سنويًا في إنتاجها خلال العام الحالي للمرة الرابعة على التوالي، إذا حافظت على معدلات الانتاج الأخيرة، بما يعني استمرار تدفق العائدات المالية على طهران، والتي تستخدمها في دعم حلفائها الإقليميّين الذين يحاربون الولايات المتحدة.(د ب أ)