أسابيع قليلة تفصلنا عن عيد الأضحى المبارك، يتجه مواطنون مغاربة لأسواق أسبوعية ومزارع بحثا عن أضحية جيدة بسعر يناسب جيبهم الذي أفرغه التضخم وغلاء الأسعار.من بين هؤلاء، رضوان (45 عاما) رب أسرة من 5 أفراد، لا يتجاوز دخله الشهري 349 دولارا، قصد سوق مواشٍ في نواحي مدينة أكادير وسط غرب المغرب.بمجرد سؤال البائعين عن الأسعار، رُسمت ملامح الحيرة في وجه الرجل الذي بدأ في التفاوض مع صاحب رؤوس غنم يعرض الواحد منها بـسعر 2700 درهم أي نحو 269 دولارا."التفاوض صعب جدا، الفلاح يقول إنه يعاني أيضا ولديه أطفال وتربية المواشي لقمة عيشه، لكن أعتقد أنه يبالغ في الثمن، سأذهب لسوق آخر"، يقول رضوان.ويضيف: "لو كنت سأشتري الأضحية فقط لكان الأمر هيّنا، لكنّ العيد يتطلب شراء خضروات وفواكه وقمح وملابس العيد، إذا اقتصرنا فقط على الأساسيات من المنتجات الغذائية، فلن أجد مصاريف تغطي متطلبات النصف الثاني من شهر يوليو". منصة "المشهد" تحدثت لمواطنين مغاربة آخرين الذين استغربوا ارتفاع أسعار المواشي رغم الدعم الحكومي الذي تلقّاه المزارعون. بعضهم رجّح أنّ "تجار الأزمات"، رغم الدعم، يسعون لتحقيق الربح بأيّ شكل كان، فيما ذهب بعضهم الآخر إلى القول إنّ المزارع أيضا مواطن متضرر والدعم الحكومي غير كافٍ.أسعار مُلتهبةفي السياق، يقول المزارع المغربي الحسين أزركي، إنّ أسعار جميع المواشي ملتهبة بسبب غلاء الأعلاف وتوالي سنوات الجفاف، الأمر الذي انعكس سلبا على تكلفة تربية المواشي.ويوضح أزركي لمنصة "المشهد"، أنّ الفلاح يحتاج إلى 6 أشهر لتحضير المواشي لبيعها في عيد الأضحى، ويضيف:هذه الفترة الزمنية (6 أشهر) أنهكت المزارع الذي أصبح يلجأ إلى السوق لشراء الأعلاف وليس لديه قدرة على رعي الأغنام لغياب الأراضي الصالحة لذلك بسبب الجفاف. التقلبات المناخية على الصعيد العالمي هي السبب، الخروف مثلا ارتفع ثمنه مقارنة بالسنة الماضية بألف درهم حتى ألف و500 درهم (149 دولارا) ليصل أقل ثمن خروف في السوق إلى 2500 - 3000 درهم.أما الخروف من سلالة الصردي، وهي إحدى سلالات الأغنام التي تشكل ثروة حيوانية مهمة في المغرب، فيصل أدنى سعر إلى 5000 درهم (449 دولارا).في أسواق الغنم، منذ السنة الماضية لاحظت أنّ عدد المواطنين غير القادرين على تحمّل تكلفة الخروف في تزايد، بل حتى سعر الماعز في ارتفاع، جَدْي جيد يكلّف 1500 درهم على الأقل.وكشف المزارع المغربي أنّ في منطقته (جهة سوس - ماسة) المواشي المعروضة في الأسواق جميعها محلية، لكن هناك بعض الجهات في المملكة التي تعرض مواشي مستوردة من إسبانيا والبرازيل."مثلا جهة الدار البيضاء يعرضون غنما مستوردا من إسبانيا، لكن أيضا أسعاره مرتفعة نحو 2500 درهم أقل شيء، وأغلبية المواطنين المغاربة قدرتهم الشرائية للأضحية تتراوح بين 700 درهم إلى 1500 درهم"، يقول أزركي.ويبدو أنّ أسعار الأغنام المستوردة أقل بشكل طفيف مقارنة بالأغنام المحلية، لكنها تشهد تفاوتات بحسب السلالة والجودة والوزن.ورغم تقديم الحكومة دعما ماليا يقدّر بـ500 درهم (49 دولارا) لكل رأس غنم، فإنّ الأسعار لا تزال مرتفعة وخارج القدرة الشرائية لأغلبية الطبقة المتوسطة. "غالبا المواطن سيلجأ إلى الماعز المحلي وليس المواشي المستوردة، ولو كانت الجودة مماثلة...، نطلب من الله الرحمة والشتاء"، يختم المتحدث تصريحه.تعافي قطاع المواشي في 2027في المقابل يعتبر الخبير الاقتصادي محمد جدري، أنّ ارتفاع أسعار المواشي في المغرب لمناسبة عيد الأضحى، هو أمر عادي ومنطقي في الاقتصاد الوطني.وفي حديث لمنصة "المشهد" عدّد الخبير المغربي أسباب الارتفاع الأسعار في ما يلي:القطيع الحيواني تضرر بشكل كبير من التضخم العالمي ومن الجفاف الذي لم يعرفه المغرب منذ 40 عاما.تكلفة الأعلاف ارتفعت ما دفع أصحاب المواشي إلى بيعها، وهو الأمر الذي جعل رئيس الحكومة يقول إنّ قطاع المواشي في المغرب لن يعود إلى سابق عهده إلا بحلول عام 2027.وأوضح الخبير الاقتصادي أنّ التدخل الحكومي من خلال استيراد المواشي وتوفير الدعم المالي، من شأنه أن يخفف من العبء المالي الذي يعانيه المشتري، "لكنّ الأمر يبقى نسبيا لأنه كما سبق وأشرنا الأعلاف عالية التكلفة". ولفت جدري إلى أنّ مناسبة العيد هي موسم تجاري ويعرف فيه قطاع المواشي رواجا يقدر بـ10 ملايين درهم مغربي، "هذا يخلق فرص الشغل ولو كانت موسمية، ولكنها تبقى مفيدة للاقتصاد الوطني".وختم جدري حديثه بالتأكيد على أنّ المواطن المغربي ليس لديه القدرة على شراء الأضحية على عكس السنوات الماضية.(المشهد)