مكّن امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد مشروع قرار زيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة، إدارة الرئيس جو بايدن من تقليل الضرر الذي لحق بمكانة أميركا في مختلف أنحاء العالم بعدما أصبحت الحامية الوحيدة لإسرائيل، حسبما جاء في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز". وأدى هذا إلى ارتياح المسؤولين الأميركيين الذين يكرهون ممارسة حق النقض الأميركي (الفيتو) في الدفاع عن إسرائيل، فيما كان يمكن أن يُصدر للمرة الـ3 منذ هجمات "حماس" في 7 أكتوبر، وفقا للتقرير. ويبدو أن الامتناع عن التصويت أفضل من استخدام حق النقض، الذي قال الرئيس بايدن إنه يجب أن يقتصر على "المواقف النادرة والاستثنائية"، لكن استخدامه حتى الآن لا يساعد صورة أميركا في الخارج، إذ يعتبر أحد الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تجد نفسها معزولة دبلوماسيا وفي وضعية دفاعية، وفقا للصحيفة الأميركية. وتمثل هذه العزلة تحولا جذريا في التصورات الدولية لإدارة الرئيس بايدن، إذ قاد كبار المسؤولين الأميركيين ما اعتبروه حملة شجاعة لحشد العالم ضد روسيا في حربها بأوكرانيا. كما تمت الإشادة ببايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن في الداخل والخارج لتوحيد الحلفاء تحت راية القيادة الأميركية مستشهدين بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وتفاخر بايدن في فبراير الماضي خلال خطاب عن حالة الاتحاد بما فعلته أميركا وما تفعله في قيادة وحدة حلف شمال الأطلسي "الناتو" وبناء تحالف عالمي، قائلا: "لقد كان غزو بوتين بمثابة اختبار لأميركا، واختبار للعالم".خلافات أميركا مع الحلفاء المخلصينلكن اليوم، وبينما تحرس الولايات المتحدة مصالح إسرائيل في الأمم المتحدة، وتؤيد هدفها المتمثل في تدمير "حماس" وتوفير ذخائرها، يرى جزء كبير من العالم أن إدارة بايدن تمكّن إسرائيل من شن حملة عسكرية فتاكة لا يمكن تبريرها، والتي وصفها بايدن نفسه بـ "القصف العشوائي". وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن الولايات المتحدة الآن على خلاف مع حلفائها المخلصين مثل فرنسا وكندا وأستراليا واليابان، والذين صوتوا جميعا لصالح قرار الأمم المتحدة الجمعة ولقرار آخر في وقت سابق من هذا الشهر يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار سابق لمجلس الأمن، على أساس أن أي وقف لإطلاق النار من شأنه أن يسمح لـ"حماس" بإعادة تنظيم صفوفها ومهاجمة إسرائيل مرة أخرى. وتدين جماعات حقوق الإنسان، التي أشادت سابقا بالجهود الأميركية لمحاسبة روسيا، الآن الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل، التي يتهمها الكثير منها بارتكاب "جرائم حرب في غزة"، حسبما يذكر التقرير. فيما تلقي إسرائيل باللوم على "حماس" في تواجدها بين المدنيين وتقول إنها تتخذ خطوات غير معتادة للتخفيف من الخسائر في صفوف المدنيين، والذين قتل من بينهم ما يزيد عن 20 ألف شخص. ويؤكد التقرير أن كبار مسؤولي بايدن يعترفون سرا بأن الأسابيع الماضية كانت صعبة حيث كانت الولايات المتحدة تدافع عن حملة إسرائيلية أدت إلى الكثير من المعاناة والغضب العالمي. وفي مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن: "كان الشهران الماضيان مؤلمين عندما ترى معاناة الرجال والنساء، وخصوصا الأطفال في غزة". ويقول ريتشارد جوان، الخبير في مجموعة الأزمات الدولية التابعة للأمم المتحدة: "لا يوجد مسؤول أميركي في الوقت الحالي يحب هذا الوضع". وتشير الصحيفة إلى أن هناك قلقا حول أن الضغينة تجاه واشنطن بشأن دورها في حرب غزة يمكن أن تؤدي إلى تعقيد الأهداف الدبلوماسية الأخرى للولايات المتحدة، على الأقل في المدى القريب. وقالت باربرا بودين، وهي دبلوماسية وسفيرة سابقة تعمل الآن مديرة معهد الدراسات الدبلوماسية في جامعة جورج تاون: "نحن معزولون". وحذرت الدبلوماسية السابقة من أن الولايات المتحدة فقدت النوايا الحسنة العالمية التي اكتسبتها من ردها على الحرب الروسية، قائلة: "بالنسبة للعديد من الأصدقاء والحلفاء، كان هذا يتناقض بشكل صارخ مع ردنا على روسيا". وينفي مسؤولو إدارة بايدن بشدة وجود أي تناقض بين مواجهتهم لروسيا ودفاعهم عن إسرائيل، إذ يقولون إنهم يدافعون عن ضحية هجوم وحشي وغير مبرر. وكثيرا ما يستشهد بلينكن بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وهي عبارة طبقها أيضا على أوكرانيا. كما قال أيضا بشكل منفصل إن الحرب في أوكرانيا وهجمات "حماس" في 7 أكتوبر كانتا لحظات "للوضوح الأخلاقي" في جميع أنحاء العالم.ما رد بلينكن على العزلة الأميركية؟وهذه ليست المرة الأولى التي تبدو فيها الولايات المتحدة معزولة في دفاعها عن إسرائيل، وخصوصا في الأمم المتحدة، حيث قامت الإدارات الأميركية المتعاقبة كثيرا بقمع ما تعتبره مشاعر معادية لإسرائيل، حسبما يذكر التقرير. وفي تفسير للتصويت الأميركي بالامتناع، أشارت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إلى أن مجلس الأمن لم يدن بعد هجمات "حماس". وفي إشارة إلى مدى أهمية تصويت الجمعة لإدارة بايدن، تولى وزير الخارجية دورا كبيرا بشكل غير عادي في المفاوضات حتى عندما ضغطت توماس غرينفيلد على زملائها في الأمم المتحدة. وقال مسؤول كبير في الإدارة إن بلينكن أجرى اتصالات هاتفية مع العديد من المسؤولين العرب، بما في ذلك 3 مكالمات مع وزيري خارجية الإمارات العربية المتحدة، ومصر. وقالت توماس غرينفيلد: "لقد استغرق الأمر أياما عديدة وليالي طويلة من التفاوض للحصول على هذا الحق"، مشيدة بالقرار لأنه قدم "بصيص أمل وسط بحر من المعاناة التي لا يمكن تصورها" من خلال إنشاء منسق للأمم المتحدة في غزة. وعندما سُئل بلينكن عن العزلة الأميركية الأسبوع الماضي، لم يُظهر أي قلق، قائلا إن الولايات المتحدة تواصل "حشد الدول حول العالم" لدعم أوكرانيا، وقد أقامت شراكات لتعزيز موقف الولايات المتحدة ضد الصين، وتقود الجهود العالمية بشأن الغذاء، وانعدام الأمن والذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة. وقال إنه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وغزة، فإن "الدول في جميع أنحاء المنطقة، وكذلك الدول في جميع أنحاء العالم، تريد العمل معنا وتتطلع إلى القيادة الأميركية في هذه الأزمة، حتى الدول التي قد تختلف معنا حول قضايا معينة". لكن الكثير من العالم يرى الأمور بشكل مختلف، كما قالت الدبلوماسية الأميركية السابقة باربرا بودين، والتي تضيف: "الدول الواقعة في ما يسمى بالجنوب العالمي التي لا تتحالف بشكل وثيق مع أي قوى كبرى مثل الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا" وتؤكد بودين أن العديد من تلك البلدان، بما في ذلك جنوب إفريقيا والهند، لم تنظر قط إلى تركيز الولايات المتحدة على أوكرانيا بالعبارات البطولية التي فعلتها معظم دول أوروبا.(ترجمات)