كما في كل المستجدات منذ هروب بشار الأسد وسقوط نظامه، اختلف السوريون بين مؤيد لتنصيب الشرع من قبل الفصائل العسكرية رئيساً للبلاد، وبين معارض لشكل وطريقة التغيير السياسي واصفين الخطوة "بالمبايعة العسكرية". وفي ظل إصرار مؤيديّ الشرع على ضرورة إتاحة الوقت أمام القيادة الجديدة لترتيب الأولويات السياسية والاقتصادية بعيداً عن المطالب المتعلّقة بنظام الحكم والديمقراطية الانتخابية المنشودة، ارتفعت الأصوات في المعسكر الآخر لناحية انتقاد ضبابية التوجّهات السياسية والإيديولوجية للسلطة الجديدة والتشكيك في كفاءة وقدرة عناصرها على إدارة بلاد متآكلة الاقتصاد والمؤسسات، في ظل شبه إجماع على استحالة تعميم تجربة إدارة إدلب على مستوى الوطن. تنصيب أحمد الشرع رئيسا للمرحلة الانتقالية المؤتمر الذي تم خلاله تنصيب الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية أثار جدلا كبيرا، خصوصًا أن المؤتمر كان مغلقًا بين الفصائل التي حلت نفسها تحت قيادة واحدة، يرأسها أحمد الشرع، وهم 18 فصيلًا وافقوا على حل أنفسهم تحت قيادة جيش واحد. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم وجود قوى معارضة سورية أخرى مثل الائتلاف الوطني في الحكومة الحالية، أثار انتقادات حول اعتماد لون ونسيج واحد في مراكز صنع القرار. وعلى الرغم من الانتقادات التي طالها التنصيب، إلّا أنه لاقى قبولاً كبيرًا لدى أوساط واسعة من السوريين، من منطلق أن المرحلة الحالية تتطلب هذا القرار وهذه الخطوات التي يقوم بها أحمد الشرع. وكان من ضمن المهنئين للشرع هادي البحرة رئيس الائتلاف الوطني السوري، حيث قال على منصة "إكس": نبارك للسيد القائد "أحمد الشرع" نيله ثقة قادة الفصائل العسكرية باختياره وتنصيبه رئيسًا للجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية. في هذا السياق يقول الأكاديمي السوري – الفرنسي خلدون النبواني، في حديثه إلى منصة "المشهد" إنه "كان من المتوقع أن يتم الاعلان عن تنصيب أحمد الشرع رئيساً للفترة الانتقالية، بالعكس حتى أن هذا الإعلان تأخر وأثار الكثير من الأسئلة والشكوك في الداخل. لكن على ما يبدو كان هناك حاجة إلى ترتيبات أمنية على مستوى الفصائل، وتأكيد عدم الانقلاب على هذا الوضع الهش أصلا". وبرأي النبواني أنه "من الناحية الفنية، لم يتم التوجه بخطاب رسمي إلى السوريين، وكان يمكن الترتيب لتنصيب الشرع بشكل مغاير للطريقة التي تم فيها، والتي لا تليق بسوريا الجديدة وبالسوريين، والتي ساهمت بشكل سلبي بتقديم صورة المرحلة الانتقالية برئاستها الجديدة".ويتابع النبواني "أما على المستوى العام، رغم عدم إمكانية إجراء انتخابات في الفترة الحالية، إلا أن تعيين الرئيس الجديد تم عبر الفصائل المسلحة التي تحكم سوريا حالياً. وقد أثار تعيين أحمد الشرع من قبل هذه الفصائل بلباس عسكري مخاوف من عودة الحكم العسكري في البلاد. كان من الممكن أن يتضمن التعيين مشاركة أوسع، تشمل مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات وطنية متعددة، للحصول على تأييد ومباركة وطنية شاملة، بدلاً من أن يقتصر القرار على الفصائل فقط. هذا الاختيار يثير القلق من اختطاف صوت السوريين، حيث يبدو أن التعيين تم دون تمثيل حقيقيّ للمواطنين أو من خلال مشاورات موسعة مع جميع الأطراف المعنية".من جهته، يشرح المحلل السياسي محمود علوش لـ"المشهد" أن "تنصيب الشرع فرضته حاجة سوريا إلى إضفاء مشروعية قانونية على الإدارة الجديدة، لتعزيز شرعيتها وشرعية الخطوات التي ستقوم بها في المستقبل. وهذا التنصيب ناتج عن نجاح الشرع في ملء الفراغ الذي خلّفه هروب الأسد والحصول على قبول دولي".ويلفت علوش إلى أن "اليوم هناك حاجة إلى وجود سلطة منسجمة قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية واتخاذ القرارات بعيدا عن الاستقطاب، وعلينا مراقبة تحركات الشرع في المرحلة المقبلة لتتبين ما هي نواياه الحقيقية تجاه سوريا وكيفية إدارتها".ماذا يقول القانون؟ قاد الشرع خلال الشهرين الماضيين منذ سقوط الأسد استناداً على "الشرعية الثورية" وهو المصطلح الذي برر به مؤيدوه الفراغ الدستوريّ والتشريعي في البلاد خلال الفترة المذكورة، لكن مع انتهاء مهلة الأشهر الثلاثة التي أعلن عنها الشرع منذ دخوله قصر الشعب في دمشق لإعادة الحياة الدستورية إلى البلاد بات لزاماً عليه التوجّه نحو إرساء أسس ومبادئ دستورية لحكمه. يعلق خبير قانوني سوري على قانونية تنصيب أحمد الشرع كرئيس للمرحلة المؤقتة، طالبًا عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية الوضع الراهن، قائلا "يوجد فارق كبير بين الشرعية الدستورية والقانونية والشرعية الثورية". ويرى الخبير القانوني بأن "الخطوات التي تم الإعلان عنها بالأمس خلال المؤتمر ستتبعها خطوات أخرى مستقبلاً، لذلك تم الحديث عن مجلس شعب مؤقت يتم تعيينه، وهو أمر تم في السبعينيات عبر مجلس مؤقت". ويتابع الخبير القانوني أن "ما حدث في الـ70 بقيادة حافظ الأسد كان يُسمى (حركة تصحيحية) في ذلك الوقت أو انقلاب داخلي أبيض، وتمت العودة بعد ذلك إلى شرعية قانونية ودستورية بسرعة أكبر مما تم الإعلان عنه، بفترة أقل من 4 سنوات". ويضيف الخبير القانوني: هناك ضرورة لتقليص الفترة الزمنية لإقرار دستور بالبلاد. إقامة مجلس شعب مؤقت لتعديل القوانين هي خطوة في الاتجاه السليم، ولكن 4 سنوات فترة طويلة ويجب تقليصها إلى فترة قانونية أقل. رغم الجهود للخصول على الشرعية الداخلية إلا أنّ المشهد كان غير كافٍ، فالمبايعة بين الفصائل لتعيين أحد رؤساء الفصائل رئيساً مؤقتاً للدولة بهذه الطريقة لا يكفي لإضفاء الشرعية الداخلية.دعم دولي حَذر منذ سقوط نظام بشار الأسد ووصول أحمد الشرع إلى السلطة، توالت الوفود العربية والغربية إلى العاصمة دمشق، والتقت بالشرع، وأكدت حرصها على استعادة سوريا لاستقرارها وأمنها، كما أن بعض الدول الغربية خففت من عقوباتها على البلاد، لكن لم يتم رفعها بشكل نهائي. هذا الدعم الغربي يثير استغرابًا لدى بعض المراقبين، في ظل وضع الشرع دوليا، والذي لا يزال إلى اليوم مصنفًا من قبل بعض الدول على أنه "إرهابي"، ولم يتم رفعه وقادة بعض الفصائل من قوائم الإرهاب العالمية. يؤيد هذا الأكاديمي السوري – الفرنسي بقوله "هناك مباركة دولية؛ للدول مصالح كثيرة وهناك تقاطعات والجميع يريد أن يملأ الفراغ الكبير. الدول العربية تريد عموما ملء الفراغ الإيراني، وعدم السماح لطهران بالعودة، وبالتالي تمثل هذه الحكومة الجديدة حتى ولو كانت إسلاموية نوعا من الضمانة للبلدان العربية بأن تكون سوريا في الإطار العربي وليست مع المحور الإيراني الذي تسبب في الكثير بالأزمات في المنطقة".الانقسام الأفقي الذي يعاني منه المجتمع السوري بسبب سنوات الحرب، يدفع الشرع لاتباع نهج حكم شامل، وإنشاء حكومة جديدة تمثل مختلف التوجهات لتجنب إقصاء أيّ طرف قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وبناء الثقة المفقودة وتعزيز الوحدة الوطنية.ستكون الأشهر القادمة حاسمة في تحديد مستقبل سوريا بعد الأسد فإما أن تنجح في الانتقال إلى مرحلة التجديد والأمل، أو تكون فرصة أخرى ضائعة للتغيير الحقيقي.(المشهد )