وسط الحديث عن الاستعدادات الإسرائيلية لاحتمال التصعيد في حربها مع "حزب الله" الذي ارتفعت حدة ضرباته تجاه المستوطنات والمواقع الإسرائيلية، باتت تبحث إسرائيل عن إمكانية إيواء قرابة 100 ألف نازح من سكان مستوطنات الشمال في مدارس بمناطق أخرى، فيما أخلى نحو 80 ألف مستوطن المنطقة منذ نشوب الحرب.الأمر الذي تسبب بازدياد نقمة مستوطني الشمال على الجيش والحكومة الإسرائيلية، لفشلهما في معالجة تهديد "حزب الله"، حيث أصبحت المنازل وبعد 3 أشهر من بدء القتال، نقطة حمراء في مرمى الحركة اللبنانية، ويتساءل الكثير عما إذا كانت العمليات العسكرية بين الجانبين ستبقى بوتيرة تصاعدية مضبوطة أم ستجر نحو حرب دامية.وعلى الأرض بدا بأن دائرة إسرائيل العسكرية، أخذت بالاتساع حتى جاوزت شمال نهر الليطاني بضعة كيلومترات، واغتالت شخصيات بارزة في كوادر "حزب الله"، وسحبت جميع عناصر الفرقة ال36 من قطاع عزة، ضمن المساعي الإسرائيلية للحفاظ على كفاءة قواتها في ظل التهديدات على الجبهة الشمالية مع لبنان. اضطرابات نفسية أشارت دراسة إسرائيلية جديدة، إلى أن نحو نصف سكان مستوطنات الشمال القريبة من الحدود مع لبنان، يعانون من أعراض ما بعد الصدمة، وأعطت صورة قاتمة عن الضرر النفسي والمادي الذي أصابهم ومازال، حيث يشكو سكان شمال إسرائيل من التبعات الاقتصادية السلبية العالية، للحرب على قطاع غزة مع استمرارها لأكثر من 3 أشهر دون تحقيق أهدافها، وتعطل قطاعات اقتصادية كبرى وإجلاء الآلاف من سكان المناطق الشمالية القريبة من لبنان والجنوبية القريبة من غزة. تقول أوريت مزراحي والتي تعيش في شمال إسرائيل لمنصة "المشهد،" حول خطة الحكومة الإسرائيلية بإجلاء سكان الشمال وتسكينهم في مناطق أخرى: "أيامنا عصيبة هنا، نتأمل من الحكومة الإسرائيلية، أن تخصص الموارد والاحتياجات المناسبة لإجلاء محترم ومنظم للإسرائيليين الذين سيضطرون إلى إخلاء منازلهم، وأريد رؤية الاستعداد الصحيح بكل ما يتعلق بالسكان ومستلزماتهم". وأضافت مزراحي "أتوقع بأن هذا سوف يقود إلى وضع حد لهجمات حزب الله على سكان شمال إسرائيل، بدلاً من غزوها وقتلنا وهذا أمر يؤرقنا، هذا الإجلاء الطوعي لسكان خط المواجهة، يأتي في إطار الاستعدادات للعملية الإسرائيلية الاستباقية في الشمال، وهو أمر مطلوب، ونرغب به، نريد الأمان".وفي هذا السياق، لاقى مقترح وزير الأمن يوآف غالانت جدلاً واسعاً، حول الاستعداد لاحتمال التصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان، الأمر الذي سيتسبب بإخلاء قرابة 100 ألف مستوطن من منازلهم بشكل ذاتي، وقد يتم إيواؤهم في المدارس. وتسبب هذا المقترح بغضب في الوزارات والمكاتب الحكومية، حيث تصّر سلطة الطوارئ الوطنية على اعتماد خطة الإيواء في الفنادق، في حين تتهم تلك السلطة، بأنها لم تقم بتحديث خطتها، لتتلاءم مع الوضع الحالي للحرب.دلالات الإخلاء ويرى الباحث في الشأن الإسرائيلي محمد أبو علان، أن هذا الإجراء الإسرائيلي الاحترازي يعطي مجموعة من المؤشرات: تعمق الفشل الأمني الإسرائيلي في توفير الحماية للمستوطنات شمال فلسطين، فلجوء إسرائيل نحو الإخلاء هو الحل الأمثل لحين وضوح الرؤية إلى أين ستذهب الأمور على الحدود الشمالية. إسرائيل تسعى للتوصل إلى حل سياسي على الحدود الشمالية، كمحاولة أخيرة لعدم الذهاب لمثل هذا الخيار، لأثره على خلخلة نظرية الردع الإسرائيلية، ناهيك عن العبء الاقتصادي الكبير على الدولة. مسألة الأمن في الشمال لا يمكن حلها وجلبها عسكرياً، بمعنى لو شنت إسرائيل حربا شاملة على عمق الأراضي اللبنانية، لن توفر الأمن للمستوطنين على الحدود الشمالية، وفي النهاية ستضطر للبحث عن حل سياسي. وقال أبو علان: "إسرائيل باتت تدرك ذلك، لأنها غير معنية للذهاب لحرب شاملة على الحدود الشمالية، وتحاول إعطاء فرصة لمبعوث الإدارة الأميركية لاحتمال التوصل لحل".من جانبه، قال المحلل السياسي نحميى شترسلير لمنصة "المشهد" حول تطورات الساحة الشمالية "الواقع الإستراتيجي على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، يحظى بمكانة متقدمة في اعتبارات الحكومة الإسرائيلية وكذلك المؤسسة الأمنية، وعند الحدود الشمالية وفي منطقة الجليل الأعلى، تبدو الأمور للوهلة الأولى أقل تعقيداً، لكن التوتر الأمني سيد الموقف ويسير في منحى تصاعدي مخيف، حيث ستخلي الحكومة الإسرائيلية قرابة 100 ألف إسرائيلي من المستوطنات والبلدات الحدودية، يتزامن ذلك مع حالة التوتر المتواصل بالتوازي مع الحرب على غزة".وأكد شترسلير أن حدة التوترات الأمنية والعسكرية على الجبهة الشمالية تتصاعد بشكل غير مسبوق منذ حرب لبنان الثانية عام 2006. وأضاف: "ما يقوم به حزب الله من لعبة بين التصعيد والترهيب يجب أن تحسم قريباً".وتابع: "إسرائيل بلا شك مستعدة، وقوات الاحتياط حشدت في الشمال، وتم إجلاء السكان وسيتم إجلاء المزيد، بينما يحتفظ سلاح الجو بأغلب قواته بالجليل الأعلى، حيث لم يتغير الواقع بحسب ما يريد السكان الإسرائيليون في البلدات الحدودية في ظل التوتر الأمني المتصاعد على الحدود اللبنانية، عوامل من شأنها أن تدفع إسرائيل شن عملية عسكرية واسعة ممكن أن تتطور لحرب شاملة مع حزب الله".وأشار شترسلير إلى أن إخلاء سكان الشمال "هذا ينبع من الكابوس الذي يلوح في الأفق المتمثل بغزو محتمل من قبل وحدة الرضوان العسكرية التابعة لحزب الله، على الرغم من الجهود المضنية التي يبذلها الجيش الإسرائيلي، للتصدي لهذا التهديد الأمني، إلا أن هذا لا يكفي لتهدئة مخاوفه، فالحكمة تملي علينا أن لا نتحمل مخاطر لا مبرر لها". (المشهد)