لليوم السادس على التوالي، تستمر الاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مع تبادل الاتهامات بين قائدي الجهتين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي في الإعلام الدولي.عشرات الآلاف من قوات طرفي الصراع في العاصمة الخرطوم وفي مدن رئيسية أخرى يتقاتلون، مما أدى إلى مقتل أكثر من 330 شخصا وإصابة المئات.بحلول صباح اليوم الخميس، بدا أن العديد من السكان المحاصرين وسط الاشتباكات قد فقدوا الثقة في التوصل إلى حل فوري. وذكر شهود عيان أن هناك زيادة في عدد الأشخاص في محطات الحافلات الذين يحاولون مغادرة الخرطوم والفرار من القتال.مراقبون يرون أنه ليس هناك نهاية محتملة للاقتتال في القريب العاجل، خصوصا في ظل صعوبة الالتزام بوقف إطلاق النار الذي تمّ انتهاكه خلال 24 ساعة الماضية، إضافة إلى تأكيد البرهان وحميدتي مرارا وتكرارا أنهما لن يجلسا إلى طاولة الحوار.ومع تجدّد المطالبات الدولية بالاتفاق على هدنة خلال أيام عيد الفطر للسماح للمدنيين المحاصرين بالفرار وطلب العلاج والغذاء، نتساءل هل يتم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار؟ ما إمكانية إجراء مفاوضات بين طرفي النزاع؟ ومن سيخرج رابحا من هذه الاضطرابات؟تفاوض حميدتي والبرهانإجابة على ما سبق، يقول الكاتب الصحفي السوداني عمار عوض إن سيناريو الأزمة سيكون كالتالي: "رفض للقاء بين حميدتي والبرهان ثم حضور الوسطاء ثم لقاء بين حميدتي والبرهان ثم سيعودان مثلما كانا سابقا". ويُضيف عوض في تصريح لمنصة "المشهد": سيتكون الجيش الموحد بإرادة الشعب السوداني ثم سنمضي إلى الانتخابات سيأخذ منا ذلك بعض الوقت وسيأخذ منا بعض الأرواح وسيأخذ منا البنية التحتية ولكن لا يصح إلى الصحيح، هذا ما عشناه وجربناه في السودان سابقا.ويعتبر عوض أن الطرفين سيختفيان من المشهد السياسي، مشدّدا أن لا أحد سينتصر على الآخر في السودان.ونقل لنا عوض صورة الحياة في ظل الاشتباكات، قائلا: "أنا أنظر من نافذة بيتي وأرى مخبز أبو الوليد يعمل ودكاكين الخضر تعمل.. المواطنون يعيشون حياتهم بشكل عادي ويحضرون للعيد، غدا صباحا الجميع سيجتمع وسيذهب إلى صلاة عيد الفطر، السودانيون يعرفون أن هذا الصراع لا يعنيهم في شيء". أما عن إمكانية الالتزام بالهدنة، يرى الكاتب السوداني أن وقف إطلاق النار سيتم خرقه مرارا وتكرارا، لكن في نهاية المطاف ستنتهي الأزمة بتفاوض. "هذا رهاني ستكون هناك عملية سياسية، سيتشكل الجيش الموحد الذي تُشير الأحداث إلى أنه عمليا بدأ بالتكون، خصوصا وأن البرهان رغم أنه يرفض التفاوض مع حميدتي، لكنه مستعد للتفاوض مع قادة قوات الدعم السريع ومع مستشاريه"، يختم عوض تصريحه."الطرفان خاسران"المحلل السياسي السوداني خالد الفكي سلّط الضوء على الوضعية المأساوية للسودانيين في مناطق الاشتباكات. واعتبر الفكي في تصريح لمنصة "المشهد" أن الهدنة هي موقف أخلاقي قبل أن تكون مطالبات من المجتمع الإقليمي والدولي، خصوصا في أيام عيد الفطر المبارك نظرا لقدسيته. وطالب الفكي بمنح السودانيين فرصة للاحتفاء بالعيد رغم الحزن الذي يملأ النفوس والسماح للعالقين في أماكن الصراع من الخروج سالمين ونقل الجثامين. ويعتبر الخبير السوداني أن الخاسر الأكبر هو السودان، ويُضيف:ليس هناك منتصر وحتى لو انتصر الجيش فلن ينتصر انتصارا ساحقا لأنه يعاني من شروخات كبيرة.ولو انتصر حميدتي فهذا يُعزّز تقدّم قوة تمرّدت وهذا أمر خطير أيضا.الطرفان خاسران مهما حاولا أن يظهرا مكاسبهما في الميدان.يجب إيجاد حلول توافقية تُفضي إلى إنهاء النزاع وعودة البنادق إلى مخازنها وأن يكون السلام الشعار الأبرز للمرحلة.وأكد الفكي أن السيناريو المتوقع هو الحوار بعد أن خلفت الأطراف المتنازعة أوضاعا إنسانية كارثية في السودان.ويتابع الفكي: "الحوار هو السيناريو المتوقع وإلا ستكون هناك فوضى ستضع سيادة البلاد واستقرارها على المحك". حلول سلمية من جانبه يقول المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي شهاب الدين الطيب لـ"المشهد" إن "كل الدلائل تشير إلى أن الطرفين لم يتمكنا من تحقيق أي انتصارات على الأرض بالتالي هناك حاجة إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات".ويشدّد الطيب على ضرورة أن يعلن كلا الطرفين "بكل وضوح عن موقفهما الملزم لإيقاف هذا الاقتتال والحرب لأن الأوضاع الإنسانية كارثية، وأيضا التوازنات على الأرض تؤكد ذلك".ويتابع أن "التصريحات التي أدلى بها الطرفين لا تخرج من إطار أنهما يحاولان أن يجدا مخرجا لأنهما يشعران بورطة بسبب الأزمة التي أقحما نفسيهما بها، وهذا يعني أنهما سيجلسان إلى طاولة المفاوضات ويلجآن إلى الحلول السلمية"."الفلول يُعرقلون الحوار"في السياق ذاته، يتوقع أستاذ العلاقات الدولية يعقوب عبد الكريم أن تنتهي الأزمة بتفاوض لأن هناك قوى كثيرة تُطالب بهدنة، "بمجرد الالتزام بها سيتفاوض الطرفان". وبحسب الأكاديمي السوداني فمعظم الناس يرفضون هذه الحرب التي تدور فصولها لأول مرة في العاصمة الخرطوم، نظرا لما سببته من فزع في نفوس المواطنين.واعتبر عبد الكريم في حديث لمنصة "المشهد" أنه إذا أراد أحد من قوات الدعم السريع أو الجيش السوداني أن يقود المشهد السياسي في البلد فيجب عليه أن ينزع البذلة العسكرية ويشارك في الانتخابات ثم يقول الشعب كلمته، على حد تعبيره.وأضاف الخبير في العلاقات الدولية:لم يستقر السودان منذ الاستقلال واليوم هو يتجه إلى مرحلة الديمقراطية الراسخة.هناك طرف ثالث جرّ البلد إلى هذا النزاع والنظام البائد وعناصره الذين يحاولون العودة. قوات الدعم السريع قالوا في بداية الاشتباكات إن صراعهم ليس مع الجيش وانما مع فلول النظام داخل الجيش.الهدنة ممكنة والتفاوض صعبوطوال الأشهر الماضية، تابع 45 مليون سوداني بقلق المواجهة السياسية بين البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، ونائبه دقلو المعروف بـ"حميدتي".وأتت هذه التصريحات بعد شهرين من توقيع البرهان وحميدتي على اتفاق إطاري ضمّ أطرافا مدنية تشمل قوى الحرية والتغيير التي قادت الاحتجاجات ضد البشير، كخطوة أولى في عملية سياسية كانت تهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية.ووضع الاتفاق مبادئ توجيهية لعملية انتقالية من دون أي جداول زمنية، ما دفع منتقديه إلى وصفه بأنه "غامض". وتعهّد المسؤولان العسكريان في الاتفاق بالخروج من السياسة بمجرد تكوين حكومة مدنية. إلا أن الاتفاق السياسي اصطدم بعقبة ساهمت في توسيع الشقاق بين البرهان ودقلو، وهي مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.ويرى الخبير العسكري السوداني اللواء أمين إسماعيل المجذوب في حديث لمنصة "المشهد" إنه من الصعب إجراء مفاوضات في الوقت الحالي بين طرفي الصراع. ويُضيف المجذوب: "يمكن بعد الهدنة حال نجحت مبادرات الأمم المتحدة ودول أخرى أن تكون لديها أدوات للضغط على طرفي الصراع من أجل الجلوس إلى مناقشة الأزمة السياسية التي كانت السبب في هذا الصراع المسلح".وحثت وزارة الخارجية الأميركية الخميس طرفي الصراع في السودان على تمديد وقف إطلاق النار حتى نهاية عطلة عيد الفطر.وقالت إن واشنطن ترى أن وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة الذي أُعلن أمس الأربعاء صمد إلى حد كبير على الرغم من تجدّد إطلاق النار الكثيف الخميس.(المشهد)