بعد قرار من الأمن العام اللبناني بترحيل عدد غير مسبوق من السوريين، قررت حكومة تصريف الأعمال باجتماع عقده رئيسها مع الوزراء المعنيين انتزاع صفة نازح من كل سوري يغادر الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى سلسلة إجراءات تندرج ضمن جهود "العودة الطوعية".ودافع وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار عن القرار مشددا على أنه يطال المخالفين فقط، معتبرا أن "لبنان موحد بالنسبة لهذا الموضوع".ومن بين أبرز الإجراءات جديدة الطلب من المفوضية العليا للاجئين بتسليم جميع البيانات التي بحوزتها بخصوص ما يصفهم لبنان بـ"النازحين" وإمكانية تسليم الموقوفين في السجون اللبنانية إلى الدولة السورية.وانقسم الشارع اللبناني بين مؤيد ومعارض للقرارات الجديدة، فيما ذهبت وسائل إعلام محلية إلى دعم قرار نزع صفة "النزوح"، الأمر الذي يطرح التساؤل: هل فعلا يمتلك لبنان حق التصرف بهذه الصفة؟في الحقيقة للبنان حق خاص بخصوص مصطلح "نازح" فهو البلد الوحيد الذي استخدم هذه الصفة للسوريين القادمين إليه من جرّاء الأزمة التي عصفت بلادهم، لكن استخدامه لها يثير الجدل القانوني منذ أعوام.ما الفرق بين نازح ولاجىء؟بداية، يوضح الكاتب السياسي اللبناني نوفل ضو، في تصريحات لمنصة "المشهد" أن "صفة نازح تعني الانتقال من بلد إلى آخر داخل الدولة نفسها"، مشددا على أنه "وفقا للقوانين الدولية فالنزوح لا يكون إلا بالداخل". واعتبر ضو "أن السوريين في لبنان ينطبق عليهم توصيف لاجئ".وكذلك يشدد المحامي محمد صبرا، في تصريحات لمنصة "المشهد" على أن "هناك الكثير من المعلومات المضللة فيما يتعلق باللاجئين السوريين في لبنان، وهذا التضليل مسؤولة عنه جهات لبنانية لتحقيق أهداف سياسية خاصة بها".واعتبر صبرا أن "لا وجود لنازحين سوريين في لبنان، ومصطلح نازح سوري يتم استخدامه من قبل بعض الجهات لتجنب الالتزامات القانونية بموجب قواعد القانون الدولي بالتعامل مع اللاجئين".ولفت إلى أن "النازح هو من فرّ من مكان سكنه إلى منطقة أخرى في نفس الدولة، ومن دون أن يجتاز الحدود"، مشددا على أنه "احتراما لاستقلالية الدول فلا يمكن استخدام كلمة نازح؛ لأن لبنان ليس جزءا من الأراضي السورية". وفي الحقيقة لا تذكر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مصطلح "نازح" في معرض تعريفها لملف اللجوء، إذ تقارن بينه وبين الهجرة قائلة: "اللاجئون يتمتعون بالحماية، ولهم تعريف محدد بموجب القانون الدولي. اللاجئون هم أشخاص يتواجدون خارج بلدانهم الأصلية بسبب خوفهم من التعرض للاضطهاد أو الصراع أو العنف أو غيرها من الأوضاع التي تؤدي إلى حدوث إخلال جسيم في النظام العام، ونتيجة لذلك فإنهم بحاجة إلى "حماية دولية". وعلى العكس من ذلك، فإنه لم يتم تعريف مصطلح مهاجر بموجب القانون الدولي، وهو يستخدم أحيانا على نحو مختلف من قبل أصحاب المصلحة المختلفين، ويتم استخدام كلمة "مهاجر" تقليديا للإشارة إلى الأشخاص الذين ينتقلون بمحض اختيارهم، وليس للهروب من الصراعات أو الاضطهاد، وعادة ما يكون ذلك عبر حدود دولية من أجل العثور على عمل أو مواصلة التعليم، بحسب المفوضية. إسقاط صفة غير موجودة أما عن إسقاط صفة النزوح عمن يغادر الأراضي اللبنانية، يشير ضو إلى أنه "من يرغب بالذهاب والعودة وزيارة سوريا بشكل مؤقت، فتسقط عنهم صفة اللجوء لأن ذهابهم يثبت إمكانية عودتهم الآمنة، خصوصا أنهم يقومون بذلك بصفة دورية".ورأى أنه "في مثل هذه الحال، يحق للبنان كما أي دولة في العالم أن تنتزع صفة اللجوء عمن يدخل إلى بلاده الأصلية ويخرج منها". في المقابل، يقارن المحامي صبرا بين نوعين من الوجود السوري في لبنان، الأول يمثل العمالة الوافدة التي تتنقل بين طرفي الحدود، وتذهب إلى سوريا وتعود للبنان، وهم لم يأتوا طلبا للحماية الدولية، وبالتالي لا ينطبق عليهم صفة لاجىء لكي يقال إنه بالإمكان انتزاع صفة مزعومة لم تذكرها القوانين الدولية والمنظمات المعنية بحقوق اللاجئين.أما النوع الثاني فهو يشمل الأشخاص الذين هربوا من سوريا نتيجة الخوف، وأسماءهم واردة ومسجلة في المفوضية السامية اللاجئين ويفترض أنهم يحظون بالحماية الدولية"، مشيرا إلى أنه لا يمكن "دفعهم للعودة أو إعادتهم بالقوة من قبل السلطات اللبنانية تنفيذا لقواعد القانون الدولي". وأشار إلى أنه "في حالة عودة اللاجئين إلى سوريا، ففهي هذه الحالة يمكن إسقاط صفة لاجىء لأنهم عادوا إلى بلاد فروا منها". وبموجب اتفاقية جنيف التي أقرت عام 1948 وضع "اللجوء" للأشخاص، والتي حظيت بمزيد من الإيضاح والتفصيل في المعاهدات اللاحقة ومنها على سبيل المثال اتفاقية جنيف لعام 1951 بشأن حماية اللاجئين، فيمكن إلغاء اللجوء والحماية الفرعية في بعض الحالات منها إذا دخل اللاجئ بلده الأصلي.ففي حالة ما إذا سافر اللاجئ إلى بلده أو اتصل بسفارة أو قنصلية بلده، فقد يفقد وضعه كلاجئ، وذلك لأن وضعية اللجوء تمنح، لأن طالبها يعتبر بحاجة إلى الحماية من بلد المنشأ، وهو الأمر الذي لا ينطبق على الواقع اللبناني الحالي. حملة لاستهداف اللاجئين واتهم المحامي صبرا جهات لبنانية بشن حملة لاستهداف اللاجئين وليس العاملين في البلاد ولديهم إقامات، مشددا على ضرورة حمايتهم. وكادت قضية الوجود السوري في لبنان أن تؤدي إلى مواجهة بين اللبنانيين والسوريين، إثر الدعوة لمظاهرتين في مواجهة بعضهما الأربعاء أمام مفوضية شؤون اللاجئين، ما دفع وزير الداخلية إلى اتخاذ قرار بمنع التظاهر من قبل الطرفين، واتخذت إجراءات أمنية مشددة أمس في محيط مقر المفوضية في بيروت.بدوره، اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هيكتور حجار، في تصريحات سابقة لقناة "المشهد"، أن "الشارع اللبناني أصبح مشحونا ضد النازحين السوريين، ونرفض استخدام العنف ضدهم ونُصّر على موقفنا السابق المستند على تأمين عودة آمنة من لبنان وإقامة آمنة في سوريا".ويسجّل في الآونة الأخيرة بعض الاعتداءات على سوريين متواجدين في لبنان، كان آخرها مقطع فيديو متداول منذ أسبوع أظهر اعتداء عدد من الأشخاص على شابين لبنانيين داخل محلّهما في منطقة نهر إبراهيم بقضاء جبيل شمال العاصمة بيروت، ظنّا من المهاجمين أن الشابين من اللاجئين السوريين.وأفاد الناشطون بأن مجموعة مؤلفة من قرابة 20 شخصا، اعتدوا على الشقيقين اللبنانيين: يوسف عمرو (19 عاما) وساجد عمرو (14 عاما)، بضربهم وطعنهم داخل محلّ تجاري، ما أسفر عن إصابتهما بجروح خطرة.وتابع حجار: "لبنان لم يعد باستطاعته تحمل وجود النازحين بالشكل الحالي"، متهما بأن "بعض المنظمات الإنسانية لديها أجندة لدمج السوريين في المجتمع اللبناني والبعض الآخر يستخدمها كورقة ضغط في التفاوض مع سوريا، لكن بالنسبة لنا المسار الطبيعي هو أن يعود النازحون إلى سوريا، ومن يريد عكس ذلك ولديه مشكلة مع سوريا عليه أن يأخذ النازحين إلى بلاده، لم يعد باستطاعتنا التعاطي مع هذا الملف بشعبوية، ولبنان قدم ما يجب أن يقدمه للنازح السوري".وبحسب تقرير لوكالة "فرانس برس"، داهمت قوى أمنية منذ أسبوعين المنازل التي تسكنها عائلات سورية في مواقع مختلفة في جميع أنحاء البلاد، ورحَّلت إلى سوريا عشرات اللاجئين الذين دخلوا البلاد بشكل غير نظامي أو يحملون بطاقات إقامة منتهية الصلاحية.وقال محمد، شقيق أحد اللاجئين الذين تم ترحيلهم إنه تمكن من الاتصال بشقيقه، الذي أبلغه بأن قوى أمنية "اقتادت اللاجئين مباشرة إلى الحدود وقامت بتسليمهم". وأشار إلى أن "العديد منهم مُسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، على حد قوله. (المشهد)